طُرُقُهُ، وَسَلِمَتْ عَنْ الطَّعْنِ فَإِنَّ مَجْمُوعَهَا يُفِيدُ ذَلِكَ.
وَلِهَذَا قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَوْ لَمْ نَكْتُبْ الْحَدِيثَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَجْهًا مَا عَقَلْنَاهُ. وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى قَوْلَ أَحْمَدَ فِي أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ: نُؤْمِنُ بِهَا، وَنَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ يَقْطَعُ عَلَى الْعِلْمِ بِهَا. قَالَ: فَذَهَبَ إلَى ظَاهِرِ هَذَا الْكَلَامِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالُوا: خَبَرُ الْوَاحِدِ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا أَوْجَبَ الْعِلْمَ. قَالَ: وَعِنْدِي هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ، لَا مِنْ جِهَةِ الضَّرُورَةِ، وَأَنَّ الْقَطْعَ حَصَلَ اسْتِدْلَالًا بِأُمُورٍ انْضَمَّتْ إلَيْهِ مِنْ تَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهَا بِالْقَبُولِ، أَوْ دَعْوَى الْمُخْبِرِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ بِحَضْرَتِهِ، فَيَسْكُتُ وَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ، أَوْ دَعْوَاهُ عَلَى جَمَاعَةٍ حَاضِرِينَ السَّمَاعَ مِنْهُ، فَمَا يُنْكِرُونَهُ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: قَدْ أَكْثَرَ الْأُصُولِيُّونَ مِنْ حِكَايَةِ إفَادَتِهِ الْقَطْعَ عَنْ الظَّاهِرِيَّةِ، أَوْ بَعْضِهِمْ، وَتَعَجَّبَ الْفُقَهَاءُ وَغَيْرُهُمْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّا نُرَاجِعُ أَنْفُسَنَا فَنَجِدُ خَبَرَ الْوَاحِدِ مُحْتَمِلًا لِلْكَذِبِ وَالْغَلَطِ، وَلَا قَطْعَ مَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ، لَكِنَّ مَذْهَبَهُمْ لَهُ مُسْتَنَدٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ مَا صَحَّ مِنْ الْأَخْبَارِ فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ، لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ مُحْتَمِلٌ؛ لِمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الْكَذِبِ وَالْغَلَطِ.
وَإِنَّمَا وَجَبَ أَنْ يُقْطَعَ بِصِحَّتِهِ؛ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ مَحْفُوظَةٌ، وَالْمَحْفُوظُ مَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ مَا هُوَ مِنْهُ، فَلَوْ كَانَ مَا ثَبَتَ عِنْدَنَا مِنْ الْأَخْبَارِ كَذِبًا لَدَخَلَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَالْحِفْظُ يَنْفِيهِ، وَالْعِلْمُ بِصِدْقِهِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، لَا مِنْ جِهَةِ ذَاتِهِ، فَصَارَ هَذَا كَالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ قَوْلَ الْأُمَّةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَحُكْمُهُمْ لَا يَقْتَضِي الْعِصْمَةَ، لَكِنْ لَمَّا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ قَوْلًا لَهُمْ وَحُكْمًا، وَأَخَذُوا الْحِفْظَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَرَّرُوهُ يَقَعُ فِيهِ الْبَحْثُ مَعَهُمْ. قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute