يَعْلَمُوهُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ، فَقَبِلُوهُ، وَثُبُوتُ مِثْلِ هَذَا عَنْ كُلِّ الصَّحَابَةِ قَدْ يَتَعَذَّرُ، وَلَكِنَّ الْأُمَّةَ بَعْدَهُمْ قَدْ قَبِلُوا رِوَايَةَ هَؤُلَاءِ.
قَالَ: وَالتَّمْثِيلُ بِابْنِ عَبَّاسٍ وَنَحْوِهِ ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ، وَفِي مُطَابَقَتِهِ لِحَالِ بَعْضِهِمْ نَظَرٌ، قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ تَحَمُّلُ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ أَدَاؤُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا كَانَ وَقْتَ التَّحَمُّلِ مُمَيِّزًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ ثُمَّ بَلَغَ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَتُهُ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ نَقْلُ مَا سَمِعَهُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ نَقْلُ مَا سَمِعَهُ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ، وَهَذَا إجْمَاعٌ، وَلِهَذَا قُلْنَا: لَوْ سَمِعَ الْمَجْنُونُ، ثُمَّ أَفَاقَ لَمْ تُسْمَعْ رِوَايَتُهُ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ إلَّا مِنْ بَالِغٍ عَاقِلٍ، وَمَا سَمِعَهُ الصَّبِيُّ فِي حَالِ صِبَاهُ لَا تَصِحُّ رِوَايَتُهُ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ، وَكَذَا لَوْ تَحَمَّلَ وَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ كَافِرٌ، ثُمَّ رَوَى وَهُوَ عَدْلٌ مُسْلِمٌ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَحَكَاهُ فِي الْقَوَاطِعِ " عَنْ الْأُصُولِيِّينَ: الْمُرَادُ بِالْعَقْلِ الْمُعْتَبَرُ هُنَا التَّيَقُّظُ، وَكَثْرَةُ التَّحَفُّظِ، وَلَا يَكْفِي الْعَقْلُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: فَإِنْ كَانَ يُفِيقُ يَوْمًا، وَيُجَنُّ يَوْمًا، فَإِنْ أَثَّرَ جُنُونُهُ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَإِلَّا قُبِلَ.
الثَّانِي: كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، فَلَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ الْكَافِرِ كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إجْمَاعًا، سَوَاءٌ عُلِمَ مِنْ دِينِهِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْكَذِبِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ عُلِمَ أَنَّهُ عَدْلٌ فِي دِينِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ قَبُولَ الرِّوَايَةِ مَنْصِبٌ شَرِيفٌ، وَمَكْرُمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ، سَمِعْت أَبَا طَالِبٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ أَخِي الْأَمِينَ يَقُولُ: «اُشْكُرْ تُرْزَقْ، وَلَا تَكْفُرْ فَتُعَذَّبَ» ، وَرَوَاهُ الْحَافِظُ الصُّرَيْفِينِيُّ وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute