للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ لَمْ يُقْبَلْ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِلَّا فَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا: رَدُّ رِوَايَتِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ بِبِدْعَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا يُرَدُّ كَالْفَاسِقِ بِغَيْرِ التَّأْوِيلِ، كَمَا لَا يُقْبَلُ الْكَافِرُ مُطْلَقًا، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي اللُّمَعِ ". قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: وَيُرْوَى عَنْ مَالِكٍ، وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ لِأَنَّ كُتُبَهُمْ طَافِحَةٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ الْمُبْتَدِعَةِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِهِمْ، وَرِوَايَةُ الْكَافِرِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَغَايَةُ مَا يُقَالُ فِي الْفَرْقِ: أَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِكُفْرِهِ، وَذَلِكَ ضَمُّ جَهْلٍ إلَى كُفْرٍ، فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْقَبُولِ، وَمَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى عَدَمِ تَكْفِيرِهِ بِالْبِدْعَةِ، وَإِنَّمَا مَأْخَذُ الرَّدِّ عِنْدَهُمْ الْفِسْقُ، وَلَمْ يَعْذِرُوهُ بِتَأْوِيلِهِ، وَقَالُوا: هُوَ فَاسِقٌ بِقَوْلِهِ، وَفَاسِقٌ لِجَهْلِهِ بِبِدْعَتِهِ، فَتَضَاعَفَ فِسْقُهُ.

وَالثَّانِي: يُقْبَلُ سَوَاءٌ دَعَا إلَى بِدْعَتِهِ أَوْ لَا، إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِلُّ الْكَذِبَ، كَمَا سَبَقَ مِنْ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: قُلْت؛ لِلرَّبِيعِ: مَا حَمَلَ الشَّافِعِيُّ عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى مَعَ وَصْفِهِ إيَّاهُ بِأَنَّهُ كَانَ قَدَرِيًّا؟ فَقَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: لَأَنْ يَخِرَّ إبْرَاهِيمُ مِنْ السَّمَاءِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ. وَقَالَ الْخَطِيبُ: وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِهِ: هَلْ هُوَ إلَّا مِنْ الْخَطَّابِيَّةِ الرَّافِضَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ قَالَ: وَيُحْكَى عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي، وَقَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيّ: إلَى هَذَا مَيْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَبِلَ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ وَالْخَوَارِجِ مَعَ اسْتِحْلَالِهِمْ الدِّمَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>