وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي نَاقِلِ الْخَبَرِ، وَعَدَالَتِهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالْأَمْوَالِ، بَلْ إذَا كَانَ ظَاهِرُهُ الدِّينَ وَالصِّدْقَ قُبِلَ خَبَرُهُ، هَذَا كَلَامُهُ. قُلْت: وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ أَوْرَدَهُ: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ شَهَادَتُهُمَا إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ فِي الظَّاهِرِ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ مَنْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَوَاطِنَ.
[أَقْسَامُ الذُّنُوبِ] أَحَدُهَا: أَنَّ الذُّنُوبَ إلَى كَمْ تَنْقَسِمُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: إلَى قِسْمَيْنِ صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَيُسَاعِدُهُمْ إطْلَاقَاتُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: ٧] فَجَعَلَ الْفُسُوقَ وَهُوَ الْكَبَائِرُ تَلِي رُتْبَةَ الْكُفْرِ، وَجَعَلَ الصَّغَائِرَ تَلِي رُتْبَةَ الْكَبِيرَةِ، وَقَدْ خَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ الذُّنُوبِ بِاسْمِ الْكَبَائِرِ. الثَّانِي: هُوَ قِسْمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْكَبَائِرُ وَهُوَ طَرِيقَةُ جَمْعٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ، مِنْهُمْ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَنَفْيُ الصَّغَائِرِ، وَجَرَى عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي، الْإِرْشَادِ "، وَابْنُ فُورَكٍ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلِ الْقُرْآنِ "، فَقَالَ: الْمَعَاصِي عِنْدَنَا كَبَائِرُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِبَعْضِهَا: صَغِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا، كَمَا يُقَالُ: الزِّنَا صَغِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكُفْرِ، وَالْقُبْلَةُ الْمُحَرَّمَةُ صَغِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا، وَكُلُّهَا كَبَائِرُ. قَالَ: وَمَعْنَى الْآيَةِ: إنْ اجْتَنَبْتُمْ كَبَائِرَ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute