وَمِنْهَا: أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ أَقْوَى مِنْ تَزْكِيَتِهِ بِاللَّفْظِ، وَحَكَى الْهِنْدِيُّ فِيهِ الِاتِّفَاقَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِ إلَّا وَهُوَ عَدْلٌ عِنْدَهُ. قَالَ: وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الطَّرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ بَعْدَهُ، وَقَيَّدَهُ الْآمِدِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَاكِمُ مِمَّنْ يَرَى قَبُولَ الْفَاسِقِ الَّذِي لَا يَكْذِبُ. وَهُوَ قَيْدٌ صَحِيحٌ يَأْتِي فِي الْعَمَلِ بِخَبَرِهِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهَذَا قَوِيٌّ إذَا مَنَعْنَا حُكْمَ الْحَاكِمِ بِعِلْمِهِ، أَمَّا إذَا أَجَزْنَا، فَعِلْمُهُ بِالشَّهَادَةِ ظَاهِرًا يَقُومُ مَعَهُ احْتِمَالٌ أَنَّهُ حُكْمٌ بِعِلْمِهِ بَاطِنًا. قُلْت: وَحِينَئِذٍ يُتَّجَهُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ يَقِينًا أَنَّهُ حُكْمٌ بِشَهَادَتِهِ، فَتَعْدِيلٌ، وَأَنْ لَا يَعْلَمَهُ فَلَا، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْعَبْدَرِيُّ، شَارِحُ الْمُسْتَصْفَى ".
وَمِنْهَا: الِاسْتِفَاضَةُ، فَمَنْ اُشْتُهِرَتْ عَدَالَتُهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَشَاعَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ اُسْتُغْنِيَ بِذَلِكَ عَنْ تَعْدِيلِهِ قَضَاءً. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ: الْخَطِيبُ، وَنَقَلَهُ مَالِكٌ وَشُعْبَةَ وَالسُّفْيَانَانِ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُمْ. فَلَا يُسْأَلُ عَنْهُمْ، وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، فَقَالَ: مِثْلُ إِسْحَاقَ يُسْأَلُ عَنْهُ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: الشَّاهِدُ وَالْمُخْبِرُ يَحْتَاجَانِ إلَى التَّزْكِيَةِ مَتَى لَمْ يَكُونَا مَشْهُورَيْنِ بِالْعَدَالَةِ وَالرِّضَا، وَكَانَ أَمْرُهُمَا مُشْكِلًا مُلْتَبِسًا وَيَجُوزُ فِيهِ. الْعَدَالَةُ وَغَيْرُهَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ مِنْ الِاسْتِفَاضَةِ أَقْوَى مِنْ تَعْدِيلِ وَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ يَجُوزُ عَلَيْهِمَا الْكَذِبُ وَالْمُحَابَاةُ فِي تَعْدِيلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute