للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " التَّمْهِيدِ " عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ بِرِوَايَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْهُ وَحَمْلِهِمْ حَدِيثَهُ، فَلَيْسَ يُقْبَلُ فِيهِ تَجْرِيحُ أَحَدٍ حَتَّى يَثْبُتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِأَمْرٍ لَا يُجْهَلُ يَكُونُ بِهِ جَرْحُهُ، فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ كَذَّابٌ، فَلَيْسَ مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ جَرْحٌ، حَتَّى يُبَيِّنَ مَا قَالَهُ. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِمَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُفَوَّزِ، وَقَالَ: بَلْ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ قَبُولُ تَعْدِيلِ مَنْ عَدَّلَ، وَتَعْدِيلِ وَتَجْرِيحِ مَنْ جَرَّحَ، لِمَنْ عُرِفَ وَاشْتُهِرَ بِأَمَانَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالْحَدِيثِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ.

إذَا تَعَارَضَ الْجَرْحُ الْمُفَسَّرُ وَالتَّعْدِيلُ فِي رَاوٍ وَاحِدٍ فَأَقْوَالٌ. أَحَدُهَا: يُقَدَّمُ الْجَرْحُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي عَدَّلَ أَكْثَرَ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ. وَقَالَ: نَقَلَ الْقَاضِي فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَنَقَلَهُ الْخَطِيبُ، وَالْبَاجِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ، وَالرَّازِيُّ، وَابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ مَعَ الْجَارِحِ زِيَادَةَ عِلْمٍ، لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا الْمُعَدِّلُ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ مَعَ اعْتِقَادِ الْمَذْهَبِ الْآخَرِ، وَهُوَ أَنَّ الْجَرْحَ لَا يُقْبَلُ إلَّا مُفَسَّرًا، وَبِشَرْطٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْجَرْحُ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ مَجْزُومٍ بِهِ، أَيْ بِكَوْنِهِ جَارِحًا لَا بِطَرِيقٍ اجْتِهَادِيٍّ، كَمَا اصْطَلَحَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الِاعْتِمَادِ فِي الْجَرْحِ عَلَى اعْتِبَارِ حَدِيثِ الرَّاوِي مَعَ اعْتِبَارِ حَدِيثِ غَيْرِهِ، وَالنَّظَرِ إلَى كَثْرَةِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ وَالتَّفَرُّدِ وَالشُّذُوذِ. اهـ.

وَقَدْ اسْتَثْنَى أَصْحَابُنَا مِنْ هَذَا مَا إذَا جَرَحَهُ لِمَعْصِيَةٍ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَدْ تَابَ مِنْهَا، يُقَدَّمُ التَّعْدِيلُ؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>