مَسْأَلَةٌ [طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الصَّحَابِيِّ] يُعْرَفُ الصَّحَابِيُّ بِالتَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ، وَبِكَوْنِهِ مُهَاجِرًا أَوْ أَنْصَارِيًّا، وَبِقَوْلِ صَحَابِيٍّ آخَرَ مَعْلُومِ الصُّحْبَةِ، وَمَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ صَحَابِيًّا كَقَوْلِهِ: كُنْت أَنَا وَفُلَانٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ دَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَانِ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَنْ يُعْرَفَ إسْلَامُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَيُمَيَّزَ، فَأَمَّا إنْ ادَّعَى الْعَدْلُ الْمَعَاصِرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَاحَبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ وَازِعَ الْعَدْلِ يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ، إذَا لَمْ يَرِدْ عَنْ الصَّحَابَةِ رَدُّ قَوْلِهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِي ثُبُوتِهَا بِقَوْلِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ دَعْوَاهُ رُتْبَةً لِنَفْسِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَطَّانِ الْمُحَدِّثِ، وَهُوَ قَوِيٌّ، فَإِنَّ الشَّخْصَ لَوْ قَالَ: أَنَا عَدْلٌ، لَمْ تُقْبَلْ لِدَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ مَزِيَّةً، فَكَيْفَ إذَا ادَّعَى الصُّحْبَةَ الَّتِي هِيَ فَوْقَ الْعَدَالَةِ؟ .
وَالْأَوَّلُ حَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِ " الدَّلَائِلِ وَالْأَعْلَامِ ". قَالَ: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ صَاحَبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ حَتَّى تُعْلَمَ عَدَالَتُهُ. فَإِذَا عُرِفَتْ عَدَالَتُهُ قُبِلَ مِنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَآهُ مَعَ إمْكَانِ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَدَّعِيهِ دَعْوَى لَا أَمَارَةَ مَعَهَا، وَخَالَفَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ، وَقَالَ: وَمَنْ يَدَّعِي صُحْبَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقْبَلُ مِنْهُ حَتَّى تُعْلَمَ صُحْبَتُهُ، فَإِذَا عَلِمْنَاهَا فَمَا رَوَاهُ فَهُوَ عَلَى السَّمَاعِ، حَتَّى يُعْلَمَ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: تُعْلَمُ الصُّحْبَةِ إمَّا بِطَرِيقٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute