للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَنْ اُشْتُهِرَ بِالتَّدْلِيسِ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ وَالتَّحْدِيثِ، فَأَمَّا إذَا قَالَ عَنْ فُلَانٍ لَمْ يُقْبَلْ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِالتَّدْلِيسِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ إذَا حَدَّثَ بِالضَّعْفِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ وَالِاخْتِصَارِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِ " الدَّلَائِلِ وَالْأَعْلَامِ ": كُلُّ مَنْ ظَهَرَ تَدْلِيسُهُ مِنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ، حَتَّى يَقُولَ: حَدَّثَنِي أَوْ سَمِعْت، وَمَنْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: حَدَّثَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ، قُبِلَ خَبَرُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا حَكَى عَنْهُ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفْنَا فِي الْمُدَلِّسِ لِعَيْبٍ ظَهَرَ لَنَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ عَلَى سَلَامَتِهِ، وَلَوْ تَوَقَّيْنَاهَا لَتَوَقَّيْنَا فِي حَدَّثَنَا لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَ قَبِيلَتَهُ وَأَصْحَابَهُ، كَقَوْلِ الْحَسَنِ: خَطَبَنَا فُلَانٌ بِالْبَصْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا؛ لِأَنَّهُ احْتِمَالٌ لَاغٍ، فَكَذَلِكَ مَنْ عُلِمَ سَمَاعُهُ إذَا كَانَ عَنْ مُدَلِّسٍ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ صَحَابِيٌّ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ كَذَا، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ وَالْقَائِلُ بِخِلَافِ ذَلِكَ يَغْفُلُ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: الْمُدَلِّسُ هُوَ مَنْ يُوهِمُ شَيْئًا ظَاهِرُهُ بِخِلَافِ بَاطِنِهِ، وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ مِنْ الْكَذِبِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّسُولِ وَاسِطَةٌ. فَإِذَا كَفَّ ذَلِكَ مِنْهُ وَجَبَ أَنْ يَكُفَّ عَنْ إخْبَارِهِ. وَقَدْ شَدَّدَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ فِيهِ، فَقَالَ شُعْبَةُ: لَأَنْ أَدْمَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ. قَالَ: وَوَجَدْت ابْنَ أَخِي هِشَامٍ حَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُجِيزُ التَّدْلِيسَ، وَلَا يَقُولُ بِهِ. وَيَقُولُ: هَذَا سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُونِيُّ يَقُولُ: مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>