فَأَمَّا مَنْ ظَهَرَ فِيهِ التَّدْلِيسُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَشْفِ، لِيُوقَفَ عَلَى مَنْ سَمِعَ مِنْهُ الْخَبَرَ لِيُنْظَرَ فِي أَحْوَالِهِ. اهـ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: إنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ لَمْ يُقْبَلْ، حَتَّى يُصَرِّحَ بِالتَّحْدِيثِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بِهِ قُبِلَ مِنْهُ قَوْلُهُ: قَالَ فُلَانٌ إذَا حَكَاهُ عَمَّنْ أَدْرَكَهُ وَحُمِلَ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُ. قَالَ سُلَيْمٌ: وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْمُدَلِّسِ بِحَالٍ، وَجَعَلَهُ جَرْحًا، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ خَبَرِ الْمُدَلِّسِ، وَهُوَ الَّذِي يَعْزِي الرِّوَايَةِ إلَى رَجُلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَعَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد عَلَى مَا حَكَاهُ الْجَزَرِيُّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ رِوَايَتَهُ لَا تُقْبَلُ عَلَى رَأْيِ مَنْ رَدَّ الْمَرَاسِيلَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِيمَنْ قَبِلَهَا، وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ شَدَّدَ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَبُولِ رِوَايَتِهِ، حَتَّى قَالَ: لَا تُقْبَلُ مِنْهُ إذَا قَالَ: أَخْبَرَنِي، حَتَّى يَقُولَ: حَدَّثَنِي أَوْ سَمِعْت؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا لَبْسَ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ فِيهِ لَبْسٌ. قَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَبُولَ رِوَايَتِهِ، وَالظَّاهِرُ عَلَى أُصُولِ مَالِكٍ عِنْدِي أَنَّهَا مَرْدُودَةٌ، وَحَكَى الْمَازِرِيُّ الْخِلَافَ فِي قَبُولِ حَدِيثِ الْمُدَلِّسِ، ثُمَّ اخْتَارَ أَنَّهُ يَقْدَحُ فِي وَرَعِهِ وَتَحَفُّظِهِ.
وَأَمَّا قَبُولُ حَدِيثِهِ أَوْ رَدِّهِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى تَأْوِيلِهِ، وَغَرَضِهِ الْبَاعِثِ لَهُ عَلَى التَّدْلِيسِ، وَعَلَى الْفَطِنِ فِي مِقْدَارِ تَغْرِيرِهِ بِالسَّامِعِينَ مِنْهُ، وَهَلْ أَمِنَ أَنْ يَقَعُوا بِمَا حَدَّثَهُمْ فِي نَقْلِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ، لَوْ أَبْدَى لَهُمْ مَا كَتَمَ أَمْ لَا؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute