للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْلُ فَهُوَ مَقْبُولٌ، وَنَقَلَ الْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الرَّدِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبَانِ. أَحَدُهُمَا: التَّوَقُّفُ؛ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ أَمْرَانِ، قَطَعَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ بِكَذِبِ الرَّاوِي، وَقَطَعَ النَّاقِلُ بِالنَّقْلِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ " وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ عَنْ اخْتِيَارِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَنَقَلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَطَعَ بِالرَّدِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَنَازَعَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَقَالَ: الَّذِي الْتَزَمَهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " التَّوَقُّفُ، وَهُوَ عَيْنُ مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ. قَالَ: وَهَذَا كَخَبَرَيْنِ تَعَارَضَا، فَإِمَّا أَنْ يَتَسَاقَطَا أَوْ يُرَجَّحَ أَحَدُهُمَا إنْ أَمْكَنَ.

قُلْت: رَوَى الْخَطِيبُ فِي " الْكِفَايَةِ " بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْقَاضِي مِثْلَ مَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَعَابَهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ ". فَأَمَّا إذَا قَالَ: أَعْلَمُ أَنِّي مَا حَدَّثْته، فَقَدْ كَذَّبَ، فَلَيْسَ قَبُولُ جَرْحِ شَيْخِهِ لَهُ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ. فَيَجِبُ إيقَافُ الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَيَرْجِعُ فِي الْحُكْمِ إلَى غَيْرِهِ، وَيُجْعَلُ بِمَثَابَةِ مَا لَمْ يَرِدْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَرْوِيَهُ الشَّيْخُ مَعَ قَوْلِهِ: إنِّي لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ هَذَا الرَّاوِي عَنِّي، فَيُعْمَلُ فِيهِ بِرِوَايَتِهِ دُونَ رِوَايَتِهِ عَنْهُ. اهـ. وَالثَّانِي: أَنَّ تَكْذِيبَ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ لَا يُسْقِطَ الْمَرْوِيَّ، وَلِهَذَا لَوْ اجْتَمَعَا فِي شَهَادَةٍ لَمْ تُرَدَّ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ كَمَا رَأَيْته فِي كِتَابِهِ. وَأَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ ". قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلشَّهَادَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الشَّهَادَةِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ، بِخِلَافِ الْخَبَرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ أَيْضًا فَقَالَا: لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْفَرْعِ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْ الْأَصْلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>