للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُنْكِرَهُ فِعْلًا بِأَنْ يَعْمَلَ بِخِلَافِ الْخَبَرِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الرِّوَايَةِ، فَلَا يَكُونُ تَكْذِيبًا بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ تَرَكَهُ لَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ التَّارِيخَ حُمِلَ عَلَيْهِ تَحَرِّيًا لِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ.

وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ الرِّوَايَةِ، نُظِرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ يَحْتَمِلُ مَا عُمِلَ بِهِ بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْوِيلِ لَمْ يَكُنْ تَكْذِيبًا؛ لِأَنَّ بَابَ التَّأْوِيلِ فِي الْأَخْبَارِ غَيْرُ مَسْدُودٍ، لَكِنْ لَا يَكُونُ حُجَّةً؛ لِأَنَّ تَأْوِيلَهُ بِرَأْيِهِ لَا يَلْزَمُ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ لَا يَحْتَمِلُ مَا عُمِلَ بِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " شَرْحِ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ ". وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلِ لِأَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ، وَقِيَاسُ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِهِ مُطْلَقًا. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُنْكِرَهُ تَرْكًا، فَإِنْ امْتَنَعَ الشَّيْخُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ صِحَّتَهُ لَمَا امْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مُخَالَفَتُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِصِحَّتِهِ، وَلَهُ حُكْمُ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ. الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ لَا يُصَرِّحَ الْأَصْلُ بِتَكْذِيبِهِ، وَلَكِنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ، أَوْ قَالَ: لَا أَذْكُرُهُ أَوْ لَا أَعْرِفُهُ، وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنِّي مَا حَدَّثْتُك، وَالْفَرْعُ جَازِمٌ بِهِ. فَهَاهُنَا تَوَقَّفَ الْقَاضِي فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ التَّوَقُّفِ، وَهُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي " التَّقْرِيبِ " لِلْقَاضِي. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ لِلْفَرْعِ الذَّاكِرِ، أَوْ الْأَصْلِ النَّاسِي؟ فِيهِ قَوْلَانِ، فَذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى الْأَوَّلِ، وَوَافَقَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَنَّ نِسْيَانَ الْأَصْلِ لَا يَسْقُطُ الْعَمَلُ بِمَا فِيهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ مَذْهَبُ الدَّهْمَاءِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>