وَهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِهِ تَارِكًا لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ الرَّاوِي النَّاسِي لِمَا رَوَاهُ وَقْتَ رِوَايَتِهِ بِصِفَةِ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ، وَقَالَ سُلَيْمٌ فِي " التَّقْرِيبِ ": هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِأَسْرِهِمْ، وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: هُوَ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَادَّعَاهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ: وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِقَبُولِ الْحَدِيثِ وَإِيجَابِ الْعِلْمِ بِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ تَفْصِيلٌ وَنَزَلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ الْكَرْخِيّ وَالرَّازِيَّ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَلِهَذَا رَدُّوا خَبَرَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا» الْخَبَرُ؛ لِأَنَّ رَاوِيَهُ: الزُّهْرِيُّ قَالَ: لَا أَذْكُرُهُ، وَكَذَا حَدِيثُ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ.
وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ ابْنَ كَجٍّ حَكَاهُ وَجْهًا عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ شَارِحُ " اللُّمَعِ " عَنْ اخْتِيَارِ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيِّ، وَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَرْوِيَهُ إلَّا الَّذِي نَسِيَهُ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي حَقِّهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ، لِأَنَّهُ فَرْعٌ، وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ. لَنَا أَنَّ الرَّاوِي عَدْلٌ جَازِمٌ بِالرِّوَايَةِ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ لِحُصُولِ الْيَقِينِ، وَتَوَقُّفُ الشَّيْخِ لَيْسَ بِمُعَارِضٍ، بَلْ يَجِبُ عَلَى الشَّيْخِ أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنِّي، وَيُعْمَلُ بِهِ. قَالَ الْقَرَافِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا حَمَلْتُمْ النِّسْيَانَ عَلَى الْكَلَامِيِّ وَتَعْرِيفَهُمْ؟ قِيلَ لَهُ: النِّسْيَانُ لَمْ يَقَع مِنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute