قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلِأَجْلِ هَذَا الْخِلَافِ كَرِهَ جَمَاعَةٌ الرِّوَايَةَ عَنْ الْأَحْيَاءِ، مِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالشَّافِعِيُّ، حَكَاهُ الْخَطِيبُ فِي " الْكِفَايَةِ "، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْمَدْخَلِ " أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ رَوَى عَنْ الشَّافِعِيِّ حِكَايَةً، فَأَنْكَرَهَا الشَّافِعِيُّ، ثُمَّ ذَكَرَهَا، وَقَالَ: لَا تُحَدِّثْ عَنْ حَيٍّ، فَإِنَّ الْحَيَّ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ النِّسْيَانُ. وَفَصَّلَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ يَغْلِبُ عَلَيْهِ النِّسْيَانُ، وَاعْتَادَ ذَلِكَ فِي مَحْفُوظَاتِهِ، فَيُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُ يَمِيلُ إلَى جَهْلِهِ أَصْلًا بِذَلِكَ الْخَبَرِ رَدَّهُ.
وَفَصَّلَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ مِنَّا بَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ دَلِيلٌ يَسْتَقِلُّ، فَإِنَّ التَّرَدُّدَ وَإِنْ لَمْ يُعَارِضْ قَطْعَ الرَّاوِي، لَكِنَّهُ يُورِثُ ضَعْفًا. فَيَصِيرُ بِمَثَابَةِ خَبَرَيْنِ يَتَعَارَضَانِ، وَأَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ أَوْثَقُ، فَإِنَّ مُعَارَضَةَ الثَّانِي لَهُ تُخْرِجُهُ عَنْ أَحَدِ الْأَدِلَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ، وَإِنْ وَجَدْنَا وَرَاءَهُ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا، فَهُوَ أَوْلَى، فَإِنَّ مَا فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ مَزِيدِ وُضُوحٍ لَا يَسْتَقِلُّ دَلِيلًا. قَالَ: وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا إلَّا أَنَّا سَنَذْكُرُ تَرَدُّدًا فِي أَنَّ مَزِيَّةَ الْحَدِيثِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ أَوْ الْقِيَاسِ، وَيَضْطَرِبُ الرَّاوِي فِيهِ، سِيَّمَا إذَا كَانَ الْقِيَاسُ جَلِيًّا كَاَلَّذِي يُقَرِّرُونَهُ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَكُمْ خَبَرٌ مُسْتَقِلٌّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، فَعَلَى مَاذَا تَعْتَمِدُونَ مَا رَوَاهُ؟ فَقِيلَ: رُوِيَ الْخَبَرُ الَّذِي تَرَدَّدَ فِيهِ الزُّهْرِيُّ مِنْ طَرِيقٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute