وَمِنْهُمْ مِنْ قَبِلَ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ أَوْ تَعَدَّدَ، كَثُرَ السَّاكِتُونَ أَوْ تَسَاوَوْا، وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ، فَقَدْ أَخْرَجَا فِي كِتَابَيْهِمَا اللَّذَيْنِ الْتَزَمَا فِيهِمَا الصِّحَّةَ كَثِيرًا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمَّنَةِ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا رَاوٍ وَاحِدٌ، وَخَالَفَ فِيهَا الْعَدَدَ وَالْأَحْفَظَ، وَقَدْ اخْتَارَ الْخَطِيبُ هَذَا الْمَذْهَبَ، وَحَكَاهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ.
وَقَدْ نُوزِعَ فِي نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ. وَعُمْدَتُهُمْ هُوَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَوْ انْفَرَدَ بِنَقْلِ حَدِيثٍ عَنْ جَمِيعِ الْحُفَّاظِ قُبِلَ، فَكَذَلِكَ إذَا انْفَرَدَ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ، فَإِنْ تَفَرَّدَ بِأَصْلِ الْحَدِيثِ لَا يَتَطَرَّقُ الْوَهْمُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الثِّقَاتِ، بِخِلَافِ تَفَرُّدِهِ بِالزِّيَادَةِ إذَا خَالَفَ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ، فَإِنَّ الظَّنَّ مُرَجِّحٌ لِقَوْلِهِمْ دُونَهُ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ.
تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: لِتَوْجِيهِ إمْكَانِ انْفِرَادِ الرَّاوِي بِالزِّيَادَةِ طُرُقٌ. أَحَدُهَا: أَنْ يَعْرِضَ لِلرَّاوِي النَّاقِصِ التَّشَاغُلُ عَنْ سَمَاعِ الزِّيَادَةِ، مِثْلُ بُلُوغِهِ خَبَرًا مُزْعِجًا أَوْ عَرَضَ لَهُ أَلَمٌ أَوْ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ، كَمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ قَالَ: دَخَلْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَقَلْت نَاقَتِي بِالْبَابِ، فَأَتَى نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْنَا لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَك عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ؟ . قَالَ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ» ، قَالَ عِمْرَانُ: ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ أَدْرِكْ نَاقَتَكَ قَدْ ذَهَبَتْ، فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا، فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute