وَالثَّامِنُ: إنْ كَانَ مُحْكَمًا فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى إلَّا لِلْعَارِفِ بِاللُّغَةِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا يَحْتَمِلُ الْغَيْرَ كَعَامٍّ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ، أَوْ حَقِيقَةٍ تَحْتَمِلُ الْمَجَازَ جَازَ لِلْمُجْتَهِدِينَ فَقَطْ. وَإِنْ كَانَ وَجَبَّارُ أَوْ مُشْتَرَكًا فَلَا يَجُوزُ فِيهِمَا النَّقْلُ بِالْمَعْنَى أَصْلًا، إذْ الْمُرَادُ بِهِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّأْوِيلِ. وَأَمَّا الْمُجْمَلُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَالْمُتَشَابِهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّا اُبْتُلِينَا بِالْكَفِّ عَنْ طَلَبِ الْمَعْنَى فِيهِ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى: قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ. قَالَ: وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ كَقَوْلِهِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ، وَ «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» وَنَحْوُهُ، فَقَدْ جَوَّزَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا نَقْلَهُ بِالْمَعْنَى بِالشَّرْطِ السَّابِقِ فِي الظَّاهِرِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِاخْتِصَاصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا النَّظْمِ، وَكَأَنَّ هَذَا النَّوْعَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ أَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا) ، وَذَكَرَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ فِي كِتَابِهِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ أَيْضًا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِهِ: اللَّفْظُ الْمَسْمُوعُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرْبَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَأْوِيلَ فِيهِ، كَقَوْلِهِ: لَا تَقْرَبْ كَذَا، وَافْعَلْ كَذَا، فَهَذَا وَنَحْوُهُ لَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ، يَنْكَرُهُمَا وَقَعَدَ، وَقَامَ وَمَضَى، وَذَهَبَ وَصَبَّ، وَأَرَاقَ، وَهَذَا يَجُوزُ تَأْدِيَتُهُ بِالْمَعْنَى. وَالثَّانِي: مُودَعٌ فِي جُمْلَةٍ لَا يَفْهَمُ الْعَامِّيُّ إلَّا بِأَدَاءِ تِلْكَ الْجُمْلَةِ. وَيَكُونُ الِاحْتِمَالُ فِيمَا يَظُنُّهُ الْحَاكِي قَائِمًا، فَهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُ إلَّا بِاللَّفْظِ الْمُتَعَلَّقِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى، فَلَا يَجُوزُ إضَافَةُ الْمَعْنَى إلَى لَفْظٍ آخَرَ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَا يُقْبَلُ خَبَرٌ حَتَّى يَكُونَ رَاوِيهِ عَدْلًا عَاقِلًا مُمَيِّزًا بَيْنَ الْمَعَانِي، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُمَيِّزًا بَيْنَ الْمَعَانِي فَحُكْمُهُ فِي الْأَدَاءِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute