للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلَافٍ؛ لِأَنَّ " افْعَلْ " أَمْرٌ، وَ " لَا تَفْعَلْ " نَهْيٌ، فَيَتَخَيَّرُ الرَّاوِي بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ خَفِيَّ الْمَعْنَى مُحْتَمِلًا، كَقَوْلِهِ: «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» ، وَجَبَ نَقْلُهُ بِلَفْظِهِ، وَلَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِغَيْرِهِ. فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ جَلِيًّا وَلَا خَفِيًّا إلَّا لِلْمَصْلَحَةِ، وَلِيَكِلَ اسْتِنْبَاطَهُ إلَى الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى جَلِيًّا غَيْرَ مُحْتَمَلٍ، فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ مِنْ التَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يُغَيِّرَ لَفْظَهُ، وَيَنْقُلَ مَعْنَاهُ. وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ شَاهَدَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنْ يُورِدَ الْمَعْنَى بِغَيْرِ لَفْظِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا: أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِفَحْوَاهُ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ.

وَحَاصِلُهُ تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِالصَّحَابِيِّ، وَبِالْجَلِيِّ مِنْ غَيْرِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَالْجَزْمُ فِي الْجَلِيِّ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ تَفْصِيلٌ غَرِيبٌ لَكِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي عُلَمَائِنَا: الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِالنَّظَرِ إلَى عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لِتَسَاوِيهِمْ فِي مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ الْجِبِلِّيَّةِ الذَّوْقِيَّةِ، وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إذْ الطِّبَاعُ قَدْ تَغَيَّرَتْ، وَالْفُهُومُ قَدْ تَبَايَنَتْ، وَالْعَوَارِفُ قَدْ اخْتَلَفَتْ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. اهـ.

وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ مَذْهَبٌ آخَرُ هُوَ السَّابِعُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>