وَالثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ، فَالْمُعَوَّلُ فِيهِ عَلَى الْمَعْنَى، وَلَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ، وَأَمَّا الَّذِي يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ مِنْهَا، فَمِنْهُ مَا لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِلَفْظِهِ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» ، «خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» . حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَجْهًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا. قَالَ: وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ بِكُلِّ حَالٍ. الرَّابِعُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا مَجَالَ لِلتَّأْوِيلِ فِيهَا، فَيَجُوزُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ لِلتَّأْوِيلِ فِيهَا مَجَالٌ، فَلَمْ يَجُزْ إلَّا أَدَاءُ اللَّفْظِ، حَكَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَجَرَى عَلَيْهِ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ. وَالْخَامِسُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَحْفَظَ اللَّفْظَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ فِي كَلَامِ الرَّسُولِ مِنْ الْفَصَاحَةِ مَا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ اللَّفْظَ جَازَ أَنْ يُورِدَ مَعْنَاهُ بِغَيْرِ لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ تَحَمَّلَ أَمْرَيْنِ: اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى. فَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهِمَا لَزِمَهُ أَدَاؤُهُمَا، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ اللَّفْظِ وَقَدَرَ عَلَى الْمَعْنَى لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ. وَبِهَذَا الْقَوْلِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي " الْحَاوِي " وَتَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ فِي " الْبَحْرِ " وَجَعَلَ الْخِلَافَ مَخْصُوصًا بِغَيْرِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. قَالَ: أَمَّا الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي، فَيَجُوزُ رِوَايَتُهُمَا بِالْمَعْنَى، كَقَوْلِهِ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ» ، وَرُوِيَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ. وَقَوْلُهُ: «اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ. قَالَا: فَهَذَا جَائِزٌ يَعْنِي بِلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute