مِنْ صَالِحٍ أَوْ طَالِحٍ. قَالَ: وَإِنَّمَا جَعَلَ تَأْوِيلَ الرَّاوِي أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَاهَدَ مِنْ الْأَمَارَاتِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى حِكَايَتِهِ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُهُ أَوْلَى، فَإِذَا انْكَشَفَ خِلَافُهُ صِرْنَا إلَيْهِ، وَمِنْ هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رُبَّمَا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثَ، ثُمَّ يَسْمَعُ سَبَبَهُ، أَوْ يَسْمَعُ آخِرَ كَلَامِهِ، وَلَمْ يَسْمَعْ أَوَّلَهُ، وَعَلَى كُلِّ إنْسَانٍ أَنْ يَحْكِيَ مَا سَمِعَ حَتَّى يَسْمَعَ خِلَافَهُ. اهـ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: إذَا حَمَلَ الصَّحَابِيُّ مَا رَوَاهُ عَلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ ظَاهِرٌ فِي جَمِيعِ مَحَامِلِهِ كَالْعَامِّ، فَتَعُودُ الْمَسْأَلَةُ إلَى التَّخْصِيصِ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ، وَإِنْ قُلْنَا بِامْتِنَاعِ حَمْلِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا نَعْرِفُ خِلَافًا فِي وُجُوبِ حَمْلِ الْخَبَرِ عَلَى مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الرَّاوِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَنْطِقُ بِاللَّفْظِ الْمُجْمَلِ بِقَصْدِ التَّشْرِيعِ وَتَعْرِيفِ الْأَحْكَامِ، وَيُخَلِّيهِ عَنْ قَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ تُعَيِّنُ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَلَامِ، وَالصَّحَابِيُّ الرَّاوِي الْمَشَاهِدُ لِلْحَالِ أَعْرَفُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى جِهَةِ الِاحْتِمَالِ أَنَّ تَعْيِينَهُ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ تَعْيِينِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، حَتَّى يُنْظَرَ فِيهِ، فَإِنْ انْقَدَحَ لَهُ وَجْهٌ يُوجِبُ تَعْيِينَ غَيْرِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ، وَجَبَ اتِّبَاعُهُ، وَإِلَّا فَتَعْيِينُ الرَّاوِي صَالِحٌ لِلتَّرْجِيحِ، فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ. اهـ. وَهَذَا الِاحْتِمَالُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَعْيِينَ الصَّحَابِيِّ الْمَشَاهِدِ لِلْحَالِ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ قَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ شَاهَدَهَا، فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الظَّاهِرِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ مَا تَرَجَّحَ عَلَيْهِ لَا بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مُحْتَمِلًا.
وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا نَقَلَ خَبَرًا وَأَوَّلَهُ، وَذَكَرَ مُجْمَلَهُ فَتَأْوِيلُهُ مَقْبُولٌ. قَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَإِنَّمَا أَرَادَ فِيمَا أَظُنُّ إذَا أَوَّلَ الصَّحَابِيُّ أَوْ خَصَّصَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ دَلِيلٍ، وَإِلَّا فَالتَّأْوِيلُ الْمُعْتَضِدُ بِالدَّلِيلِ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ إنْسَانٍ؛ لِأَنَّهُ اتِّبَاعٌ لِلدَّلِيلِ لَا اتِّبَاعُ ذَلِكَ الْمُؤَوَّلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute