للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْإِفَادَةِ ": ذَهَبَ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى تَعْيِينِ تَأْوِيلِ الرَّاوِي وَحَكَوْهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ، وَبَنَى عَلَيْهِ مَنْعَ التَّوْقِيتِ فِي الْمَسْحِ، لِقَوْلِ خُزَيْمَةَ: لَوْ مَضَى السَّائِلُ فِي مَسْأَلَتِهِ لَجَعَلَهَا خَمْسًا، فَقَالُوا: هَذَا ظَنٌّ، وَالْوَاجِبُ الْمَصِيرُ إلَى الْخَبَرِ. فَقَالَ: وَالصَّحِيحُ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قَصْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَالْوَاجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُعْلَمُ مَا لِأَجْلِهِ صَارَ إلَى ذَلِكَ سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا طَرِيقُهُ الِاسْتِدْلَال لَمْ يَلْزَمْ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا طَرِيقُهُ اللُّغَةُ دُونَ الْأَحْكَامِ، فَيَلْزَمُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ؛ لِكَوْنِ الصَّحَابِيِّ حُجَّةً فِي اللُّغَةِ. اهـ، وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ.

خَامِسُهَا: أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ ظَاهِرًا فِي شَيْءٍ، فَيَحْمِلُهُ الصَّحَابِيُّ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، إمَّا بِصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى مَجَازِهِ، أَوْ بِأَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ أَوْ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى الْكَرَاهَةِ. فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَلَا يُخْرَجُ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ عَمَلِ الصَّحَابِيِّ، وَقَوْلُهُ. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ، وَابْنُ فُورَكٍ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْآمِدِيُّ: وَفِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَيْفَ أَتْرُكُ الْخَبَرَ لِأَقْوَالِ أَقْوَامٍ لَوْ عَاصَرْتُهُمْ لَحَجَجْتُهُمْ [بِالْحَدِيثِ] . وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ إلَى اتِّبَاعِ قَوْلِ الرَّاوِي فِي ذَلِكَ لِمَا سَيَأْتِي.

وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْرَكَ إلَّا بِشَوَاهِدِ الْأَحْوَالِ، وَالْقَرَائِنِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلِاجْتِهَادِ مَسَاغٌ فِي ذَلِكَ اُتُّبِعَ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ صَرْفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِضَرْبٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ تَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ اجْتِهَادُهُ مُطَابِقًا لِمَا فِي نَفْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>