للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ سَمِعَ الْجَمِيعَ، وَلَكِنَّهُ لَا يَحْفَظُهُ، وَلَا يَذْكُرُ سَمَاعَهُ لِعَيْنِ كُلِّ لَفْظٍ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ، وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ السَّمَاعَ وَإِنَّمَا عَوَّلَ عَلَى خَطِّهِ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ الْمُحَدِّثِينَ فِي الطَّبَقَاتِ فَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِيهِ. فَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَرَى الْعَمَلَ بِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ قَضِيَّةُ أُصُولِ مَالِكٍ. وَأَشَارَ إلَى تَخْرِيجِهَا عَلَى مَنْعِ الشَّاهِدِ مِنْ شَهَادَةِ أَمْرٍ لَمْ يَذْكُرْهُ، وَإِنَّمَا عَوَّلَ عَلَى خَطِّهِ، فَلَا يُعْمَلُ بِهَا. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ جَوَّزَهُ، كَقَوْلِهِ فِي " الرِّسَالَةِ ": إنَّهُ لَا يُحَدِّثُ الْمُحَدِّثُ بِمَا فِي كِتَابِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لَهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ.

وَإِنْ كَانَ الْخَطُّ لَيْسَ بِيَدِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِخَطِّ غَيْرِهِ، كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا: يُعَوِّلُ ثُمَّ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَرْوِيَ هَذَا الْكِتَابَ وَيُطْلِقَ الرِّوَايَةَ عَنْ شَيْخِهِ بِأَنَّهُ حَدَّثَهُ؛ لِأَنَّهُ كَذَبَ أَنَّهُ سَمِعَ، وَعَلِمَ ثِقَةٌ الْكِتَابَ، فَاخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالْمُحَدِّثُونَ يَقْبَلُونَهَا. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا: لَا يُعَوِّلُ عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ، فَفِي خَطِّ غَيْرِهِ أَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا: يُعَوِّلُ ثَمَّ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَرْوِيَ هَذَا الْكِتَابَ وَيُطْلِقَ الرِّوَايَةَ عَنْ شَيْخِهِ، بِأَنَّهُ حَدَّثَهُ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَتَلْبِيسٌ، بَلْ يُبَيِّنُ حَقِيقَةَ الْحَالِ، فَيَقُولُ: أَخَذْت هَذَا الْكِتَابَ عَنْ فُلَانٍ لَا شِفَاهًا، وَلَكِنْ تَعْوِيلًا عَلَى خَطِّ فُلَانٍ أَنِّي سَمِعْتُهُ مَعَهُ عَنْ فُلَانٍ، وَخَطُّ فُلَانٍ أَتَحَقَّقُهُ، وَأَتَحَقَّقُ عَدَالَتَهُ، فَيُقْبَلُ حِينَئِذٍ، وَلَا يَفْتَقِرُ هُنَا إلَى إذْنِ الْكَاتِبِ أَنْ يَنْقُلَ ذَلِكَ عَنْهُ، كَمَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الشَّاهِدِ فِي أَنْ يَنْقُلَ عَنْهُ شَهَادَتَهُ، إذَا تَحَقَّقْنَا هُنَا أَنَّ هَذَا مَا وَضَعَ خَطَّهُ عَنْ لَبْسٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>