للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثَةُ: أَنْ يَسْكُتَ الشَّيْخُ وَيَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْقَارِئِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ إجَابَتُهُ لَهُ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا، وَكَذَا جَوَازُ الرِّوَايَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَشَرَطَ قَوْمٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ إقْرَارَ الشَّيْخِ بِهِ نُطْقًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نَوْعُ احْتِيَاطٍ، وَسُكُوتُهُ مَعَ سَلَامَةِ الْأَحْوَالِ مِنْ إكْرَاهٍ وَغَفْلَةٍ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ تَصْرِيحِهِ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ "، وَنَقَلَهُ عَنْ مُعْظَمِ الْمُحَدِّثِينَ، وَإِذَا نَصَبَ الشَّيْخُ نَفْسَهُ لِلْقِرَاءَةِ، وَانْتَصَبَ لَهَا مُخْتَارًا، وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ فَهُوَ بِمَثَابَةِ إقْرَارِهِ، وَيَمْتَنِعُ فِي صُورَةِ إشَارَةِ الشَّيْخِ بِالسَّمَاعِ أَنْ يَقُولَ الرَّاوِي عَنْهُ: حَدَّثَنِي، وَأَخْبَرَنِي، وَسَمِعْته؛ لِأَنَّهُ مَا حَدَّثَهُ، وَلَا أَخْبَرَهُ وَلَا سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا، فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَكَانَ كَذِبًا، وَهَذَا مِنْهُ عَجِيبٌ، كَمَا قَالَهُ الْهِنْدِيُّ يُنَاقِضُهُ مَا عَلَّلَهُ بِهِ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ فِي صُورَةِ السُّكُوتِ.

وَمِمَّنْ شَرَطَ النُّطْقَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ ". قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي " شَرْحِ الْعُنْوَانِ ": قَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِهِ لِتَرَدُّدِ السُّكُوتِ بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَعَدَمِهِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُنْسَبُ إلَى السَّاكِتِ قَوْلٌ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَقَدْ يَجُوزُ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرَائِنِ، وَظَاهِرِ الْحَالِ. قَالَ: وَهَذَا أَلْيَقُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَنُقِلَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ. اهـ. وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: إذَا قُرِئَ عَلَى الشَّيْخِ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ وَيُصْغِي، حَلَّتْ الرِّوَايَةُ إذَا قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا الْكِتَابُ سَمَاعِي، وَلَا يُشْتَرَطُ

<<  <  ج: ص:  >  >>