خِلَافُهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمُجَوِّزُونَ لِلْكِتَابَةِ تَوَسَّعَ فِيهِ بَعْضُهُمْ فَجَوَّزَ أَنْ يَقُولَ: أَخْبَرَنِي، وَحَدَّثَنِي، كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ وَالسَّمَاعِ، وَشَرَطَ آخَرُونَ هُنَا التَّعْيِينَ اسْتِعْمَالًا لِلصِّدْقِ فِي الرِّوَايَةِ. هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْكِتَابَةِ. وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَرْبَابِ النَّقْلِ وَغَيْرِهِمْ جَوَازُ الرِّوَايَةِ لِأَحَادِيثِ الْكِتَابَةِ، وَوُجُوبُ الْعَمَلِ بِهَا، وَأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْمُسْنَدِ، وَذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ صِحَّتِهَا عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بِهَا وَوُثُوقُهُ بِأَنَّهَا عَنْ كَاتِبِهَا. وَمَنَعَ قَوْمٌ مِنْ الرِّوَايَةِ بِهَا، مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، قَالَا: وَأَمَّا كُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَانَتْ تَرِدُ عَلَى يَدِ مُرْسَلِهِ، فَيُعَوَّلُ عَلَى خَبَرِهِمْ، وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ إنْكَارُ قَبُولِهَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ الْحَافِظُ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " النِّهَايَةِ ": كُلُّ كِتَابٍ لَمْ يَذْكُرْهُ حَامِلُهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ، وَالشَّافِعِيُّ لَا يَرَى التَّعَلُّقَ بِالْمُرْسَلِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا، فَقَالَ: لِأَنَّ رِوَايَتَهُ شَهَادَةٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَالَهُ، وَالْخَطُّ لَا يَعْرِفُهُ. نَعَمْ، لَهُ أَنْ يَقُولَ رَأَيْته مَكْتُوبًا فِي كِتَابٍ بِخَطٍّ ظَنَنْت أَنَّهُ خَطُّ فُلَانٍ، فَإِنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ. فَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ خَطُّهُ قَطْعًا بِأَنْ سَمِعَ مِنْهُ يَقُولُ: هَذَا خَطِّي أَوْ بِطَرِيقٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ مَا لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى الرِّوَايَةِ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ، أَوْ قَرَائِنَ تُفِيدُ ذَلِكَ، كَالْجُلُوسِ لِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَمِعَهُ، ثُمَّ يَتَشَكَّكُ فِيهِ، وَلَا يَرَى رِوَايَتَهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا سَمِعَهُ الْإِنْسَانُ، فَإِنَّهُ يَرَى نَقْلَهُ عَنْهُ، وَمَعَهُ كَيْفَ تَجُوزُ الرِّوَايَةُ؟ . وَأَمَّا الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَأَتْبَاعُهُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ جَوَّزُوا الْعَمَلَ بِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute