للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ، وَلَهَا صُوَرٌ: إحْدَاهَا: أَنْ يَقْرُنَهَا بِالْإِجَازَةِ، بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعًا مُقَابِلًا بِهِ، وَيَقُولَ: هَذَا سَمَاعِي فَارْوِهِ عَنِّي. وَمِنْ صُوَرِهَا أَنْ يَجِيءَ الطَّالِبُ إلَى الشَّيْخِ بِجُزْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ فَيَعْرِضُهُ عَلَيْهِ، فَيَتَأَمَّلَهُ الشَّيْخُ الْعَارِفُ الْمُتَيَقِّظُ، ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَيْهِ، وَيَقُولُ: وَقَفْت عَلَى مَا فِيهِ، وَهُوَ حَدِيثِي عَنْ فُلَانٍ أَوْ ثَبَتَ عَلَيَّ مَا نَاوَلْتَنِيهِ وَهُوَ مَسْمُوعِي عَنْ فُلَانٍ فَارْوِهِ عَنِّي. وَهَذَا يُسَمَّى عَرْضَ الْمُنَاوَلَةِ، كَمَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الشَّيْخِ تُسَمَّى عَرْضَ الْقِرَاءَةِ، وَلَهُ الرِّوَايَةُ بِذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي " الْإِلْمَاعِ ".

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ، وَلَا مَعْنَى لِلْخِلَافِ فِيهِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ سَأَلَ مَالِكًا عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَحَادِيثِهِ، فَكَتَبَ لَهُ مَالِكٌ بِيَدِهِ أَحَادِيثَ وَأَعْطَاهَا لَهُ، فَقِيلَ لِابْنِ وَهْبٍ: أَقَرَأَهَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَلَى مَالِكٍ؟ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: هُوَ أَفْقَهُ مِنْ ذَلِكَ. يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا كَتَبَهُ مَالِكٌ بِيَدِهِ وَنَاوَلَهُ إيَّاهَا يُغْنِي عَنْ قِرَاءَتِهِ إيَّاهَا عَلَى مَالِكٍ. قُلْت: لَكِنَّ الصَّيْرَفِيَّ حَكَى الْخِلَافَ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ كِتَابًا، فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ جَمِيعَ مَا فِيهِ، وَحَدَّثَنِي بِجَمِيعِهِ فُلَانٌ، فَاحْمِلْ عَنِّي جَمِيعَ مَا فِيهِ، جَازَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا قَالَ، وَلَا يَقُولُ: حَدَّثَنَا، وَلَا أَخْبَرَنَا فِي كُلِّ حَدِيثٍ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ هَذَا الرَّجُلَ كَرَجُلٍ اعْتَرَفَ بِمَا فِي صَكٍّ، وَلَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِ، لِيَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ، فَأَجَازَ أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>