الرَّبِيعُ قَالَ: هَمَّ الشَّافِعِيُّ بِالْخُرُوجِ مِنْ مِصْرَ، وَكَانَ قَدْ فَاتَنِي مِنْ الْبُيُوعِ مِنْ كِتَابِ الشَّافِعِيِّ ثَلَاثُ وَرَقَاتٍ، فَقُلْت لَهُ: أَجِزْهَا لِي. قَالَ: فَاقْرَأْهَا عَلَيَّ كَمَا قُرِئَ عَلَيَّ، وَرَدَّدَ عَلَيَّ ذَلِكَ، حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ، فَجَلَسَ وَقُرِئَ عَلَيْهِ. وَسَمِعْنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتُوُفِّيَ عِنْدَنَا، وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ شَيْخِهِ الْحَاكِمِ بِزِيَادَةٍ، يَعْنِي أَنَّهُ كَرِهَ الْإِجَازَةَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كَذَا فِي الْحِكَايَةِ، يَعْنِي أَنَّهُ كَرِهَ الْإِجَازَةَ. قَالَ الْحَاكِمُ: فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، لَقَدْ كَرِهَ الْمَكْرُوهَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، ثُمَّ عَابَ شَيْخُنَا رِوَايَةَ مَا أُجِيزَ لَهُ بِأَخْبَرَنَا وَحَدَّثَنَا، قَالَ: وَبِمِثْلِهِ يَذْهَبُ بَهَاءُ الْعِلْمِ وَالسَّمَاعِ وَالرِّحْلَةِ. الثَّانِي: - وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ - الصِّحَّةُ، وَحَمَلُوا كَلَامَ الْمَانِعِينَ عَلَى الْكَرَامَةِ. قَالَ الْخَطِيبُ: وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ مَالِكٍ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ بِأَحَادِيثِ الْإِجَازَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْعَهُ إنَّمَا هُوَ وَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنْ يُجِيزَ الْعِلْمَ لِمَنْ لَيْسَ أَهْلَهُ، وَلَا خَدَمَهُ، وَلَا عَانَى التَّعَبَ، وَلِهَذَا قَالَ: إنَّمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُقِيمَ الْمَقَامَ الْيَسِيرَ، وَيَحْمِلَ الْعِلْمَ الْكَثِيرَ. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَرَاهَةُ الِاتِّكَالِ عَلَى الْإِجَازَةِ بَدَلًا عَنْ السَّمَاعِ، وَقَدْ قَالَ الْكَرَابِيسِيُّ: لَمَّا كَانَ قَدْمَةُ الشَّافِعِيُّ الثَّانِيَةِ إلَى بَغْدَادَ آتَيْته، فَقُلْت لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْك الْكُتُبَ؟ قَالَ: خُذْ كُتُبَ الزَّعْفَرَانِيِّ فَانْسَخْهَا، فَقَدْ أَجَزْتُهَا لَك، فَأَخَذْتُهَا إجَازَةً. قُلْت: هَذَا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ، وَالْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ، فَكَيْفَ يُقْضَى لِلْقَدِيمِ عَلَى الْجَدِيدِ؟ نَعَمْ، الْمَنْقُولُ عَنْ الْجَدِيدِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمَنْعِ. فَلَا تَعَارُضَ، وَقَدْ رَوَى الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْإِجَازَةَ لِمَنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ. وَالثَّالِثُ: يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أُصُولَهُ، أَوْ فُرُوعًا كُتِبَتْ عَنْهَا، وَيَنْظُرُ فِيهَا، وَيُصَحِّحُهَا، حَكَاهُ الْخَطِيبُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute