للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرْسَلَ إذَا أُسْنِدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْمُرْسَلِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ اشْتِرَاطُ صِحَّةِ ذَلِكَ الْمُسْنَدِ. الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسْنَدْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ نُظِرَ، هَلْ يُوَافِقُهُ مُرْسَلٌ آخَرُ، فَإِنْ وَافَقَهُ مُرْسَلٌ آخَرُ قَوِيٌّ، لَكِنَّهُ يَكُونُ أَنْقَصَ دَرَجَةً مِنْ الْمُرْسَلِ الَّذِي أُسْنِدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ: إنْ كَانَ الْوَجْهُ الْآخَرُ إسْنَادًا، فَالْعَمَلُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُسْنَدِ، وَإِنْ كَانَ إرْسَالًا فَضَمُّ غَيْرِ مَقْبُولٍ إلَى غَيْرِ مَقْبُولٍ، كَانْضِمَامِ الْمَاءِ النَّجِسِ إلَى مِثْلِهِ، وَشَهَادَةِ الْفَاسِقِ مَعَ مِثْلِهِ، لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ وَالْقَبُولَ، وَهَذَا اعْتَرَضَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَتَبِعُوهُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ، لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُسْنَدِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ بِالْمُسْنَدِ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ إسْنَادِ الْإِرْسَالِ، حَتَّى تَحْكُمَ لَهُ مَعَ إرْسَالِهِ بِأَنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَأَيْضًا لَوْ عَارَضَ الْمُسْنَدَ الَّذِي دُونَ الْمُرْسَلِ مُسْنَدٌ آخَرُ يَتَرَجَّحُ صَاحِبُ الْمُرْسَلِ، إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ، وَأَيْضًا فَالِاحْتِجَاجُ بِالْمُسْنَدِ إنَّمَا يَنْتَهِضُ إذَا كَانَ بِنَفْسِهِ حُجَّةً، وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ هُنَا بِالْمُسْنَدِ مَا لَا يَنْتَهِضُ بِنَفْسِهِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ، وَإِذَا ضُمَّ إلَى الْمُرْسَلِ قَامَ بِهِ الْمُرْسَلُ، وَصَارَ حُجَّةً، وَهَذَا لَيْسَ عَمَلًا بِالْمُسْنَدِ، بَلْ بِالْمُرْسَلِ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ عَنْهُ، وَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ قَبُولِهِ إذَا كَانَ الْقَوِيُّ مُرْسَلًا، لِجَوَازِ تَأْكِيدِ أَحَدِ الظَّنَّيْنِ بِالْآخَرِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ مُرْسَلٌ آخَرُ لَمْ يُسْنَدْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَلَكِنَّهُ وُجِدَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ قَوْلٌ لَهُ يُوَافِقُ هَذَا الْمُرْسَلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا، وَلَا يُطْرَحُ، وَلَا يُرَدُّ اعْتِرَاضُ الْقَاضِي بِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ عِنْدَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِأَنَّ مُرَادَهُ التَّقْوِيَةُ بِهِ، لَا الِاسْتِقْلَالُ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ إذَا وُجِدَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ بِمَا يُوَافِقُ هَذَا الْمُرْسَلَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>