دَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا، وَاعْتَرَضَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْأَكْثَرِ الْأُمَّةَ فَهُوَ إجْمَاعٌ، وَالْحُجَّةُ حِينَئِذٍ فِيهِ لَا فِي الْمُرْسَلِ، وَإِنْ أَرَادَ بَعْضَ الْأُمَّةِ فَقَوْلُهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ الثَّانِيَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الظَّنَّ يَقْوَى عِنْدَهُ، وَكَذَا قَوْلُ الصَّحَابِيِّ، وَإِذَا قَوِيَ الظَّنُّ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمُرْسَلِ، فَمُجَرَّدُهُ ضَعِيفٌ، وَكَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَحَالَةُ الِاجْتِمَاعِ قَدْ يَقُومُ مِنْهَا ظَنٌّ غَالِبٌ، وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ ضَعِيفَيْنِ اجْتَمَعَا. الْخَامِسُ: أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي حَالِ الْمُرْسَلِ، فَإِنْ كَانَ إذَا سَمَّى شَيْخَهُ سَمَّى ثِقَةً لَمْ يُحْتَجَّ بِمُرْسَلِهِ، وَإِنْ كَانَ إذَا سَمَّى لَمْ يُسَمِّ إلَّا ثِقَةً، وَلَمْ يُسَمِّ مَجْهُولًا وَلَا وَاهِيًا، كَانَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْمُرْسَلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا مَحَلُّ وِفَاقٍ، لَكِنَّهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ.
السَّادِسُ: أَنْ يَنْظُرَ إلَى هَذَا الْمُرْسَلِ لَهُ، فَإِنْ كَانَ إذَا أَشْرَكَ غَيْرَهُ مِنْ الْحُفَّاظِ فِي حَدِيثٍ وَافَقَهُ فِيهِ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ، دَلَّ عَلَى حِفْظِهِ، وَإِنْ خَالَفَهُ وَوُجِدَ حَدِيثُهُ أَنْقَصَ إمَّا فِي الْإِسْنَادِ أَوْ الْمَتْنِ، كَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِ حَدِيثِهِ، وَأَنَّ لَهُ أَصْلًا، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى حِفْظِهِ وَتَحَرِّيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُخَالَفَتُهُ بِزِيَادَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ وَالِاعْتِبَارَ، وَهَذَا دَلِيلٌ مِنْ الشَّافِعِيِّ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ عِنْدَهُ لَيْسَتْ مَقْبُولَةً مُطْلَقًا كَمَا يَظُنُّ جَمَاعَةٌ، فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ هَذَا الْمُخَالِفِ أَنْقَصَ مِنْ حَدِيثِ مَنْ خَالَفَهُ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْمُخَالِفَ بِالزِّيَادَةِ، وَجَعَلَ نُقْصَانَ هَذَا الرَّاوِي مِنْ الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِ حَدِيثِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَتَى خَالَفَ مَا وُصِفَ أَضَرَّ ذَلِكَ بِحَدِيثِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عِنْدَهُ مَقْبُولَةً مُطْلَقًا، لَمْ تَكُنْ مُخَالَفَتُهُ بِالزِّيَادَةِ مُضِرًّا بِحَدِيثِهِ. السَّابِعُ: هَذَا الْحُكْمُ لَا يَخْتَصُّ عِنْدَهُ بِمُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَزَعَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute