بَعْضُ الْأَصْحَابِ اخْتِصَاصَهُ بِسَعِيدٍ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ " فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الصَّغِيرِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ: كَيْفَ قَبِلْتُمْ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُنْقَطِعًا، وَلَمْ تَقْبَلُوهُ عَنْ غَيْرِهِ؟ قُلْنَا: لَا نَحْفَظُ لِسَعِيدٍ مُنْقَطِعًا إلَّا وَجَدْنَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَسْدِيدِهِ، وَلَا يَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ فِيمَا عَرَفْنَاهُ عَنْهُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ مَعْرُوفٍ. انْتَهَى. وَهَذَا الْقَائِلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ قَوْلَهُ بَعْدَهُ: فَمَنْ كَانَ مِثْلَ حَالِهِ قَبِلْنَا مُنْقَطِعَهُ.
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّ الشَّافِعِيَّ يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ كِبَارِ التَّابِعِينَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا، وَمِمَّنْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّ عَلَى مُرْسَلِ سَعِيدٍ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. فَقَالَا: أَصَحُّ الْمَرَاسِيلِ مُرْسَلُ سَعِيدٍ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إرْسَالُ سَعِيدٍ عِنْدَنَا حَسَنٌ. فَقِيلَ: إنَّ مَرَاسِيلَ التَّابِعِينَ كُلِّهِمْ حُجَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ نَصَّ عَلَى مُرْسِلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ حُجَّةً، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: مُرْسَلُ سَعِيدٍ حَسَنٌ، فَقِيلَ حَسَنٌ فِي التَّرْجِيحِ بِهِ، لَا فِي الِاسْتِدْلَالِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِمَرَاسِيلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ. وَقِيلَ: إنَّمَا قَبِلَهَا؛ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ مَسَانِيدَ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمَّا رَوَى حَدِيثَهُ الْمُرْسَلَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ. قَالَ: وَإِرْسَالُ سَعِيدٍ عِنْدَنَا حَسَنٌ، وَجَعَلَ الْخَبَرَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مَرَاسِيلَهُ مُتَّبَعَةٌ، فَوُجِدَتْ كُلُّهَا عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ.
وَرَدَّ الْخَطِيبُ هَذَا بِأَنَّ مِنْهَا مَا لَمْ يُوجَدْ مُسْنَدًا بِحَالٍ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ، وَقِيلَ: إنَّهُ فِي الْجَدِيدِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُرْسَلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ فِي الرَّدِّ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ فِي الْقَدِيمِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَكَذَا نَقَلَ التَّسْوِيَةَ عَنْ الْجَدِيدِ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ " وَفِيهِ نَظَرٌ، لِقَوْلِ الرُّويَانِيِّ: إنَّ الشَّافِعِيَّ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الصَّغِيرِ مِنْ الْأُمِّ " زَعَمَ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute