للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَابْنُ بَرْهَانٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَالْهِنْدِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَنُوزِعُوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ " التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُمْ وَلَا وِفَاقُهُمْ، وَكَادَ أَنْ يَدَّعِيَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُرْسَلِ: لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْعَوَامّ لَا وِفَاقًا وَلَا خِلَافًا. اهـ. وَأَقُولُ: فَعَلَى هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَعِبَارَةُ التَّقْرِيبِ: قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ السَّمْعُ صِحَّةُ إجْمَاعِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْأُمَّةَ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُ دُخُولِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ فِي الْإِجْمَاعِ، وَلَيْسَ لِلْخَاصَّةِ إجْمَاعٌ عَلَى شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الْعَامَّةُ. قَالَ: وَالْعَامَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْخَاصَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ عِيَانًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَامَّةُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالدَّقَائِقِ وَالنَّظَرِ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ مَدْخَلٌ فِي الْإِجْمَاعِ، وَلَا بِهِمْ مُعْتَبَرٌ فِي الْخِلَافِ؟ قُلْنَا: كَذَلِكَ نَقُولُ، وَيَقُولُ أَكْثَرُ النَّاسِ. وَإِنَّمَا وَجَبَ سُقُوطُ الِاعْتِبَارِ بِخِلَافِهِمْ لِإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى عَامَّةِ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ مِنْ أَعْصَارِ الْمُسْلِمِينَ مُخَالَفَةُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُهُمْ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ بِخِلَافِ الْعَامَّةِ لِأَجْلِ هَذَا الْإِجْمَاعِ السَّابِقِ عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْ ذَلِكَ.

وَجَوَابٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَرْكُ الِاعْتِبَارِ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ، وَبَعْضُ الْأُمَّةِ، بَلْ مُعْظَمُهَا، فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ بِخِلَافِهِمْ، وَثَبَتَ أَنَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ عَيْنًا وَتَفْصِيلًا إجْمَاعُ الْعَامَّةِ، وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْهُ عَيْنًا. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا يَقُولُونَ: لَوْ صَارَ عَامَّةُ الْأُمَّةِ فِي بَعْضِ الْأَعْصَارِ إلَى مُخَالَفَةِ إجْمَاعِ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَخَطَئِهِمْ؟ هَلْ يَكُونُ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءَ حُجَّةً؟ قِيلَ: لَا يَكُونُ قَوْلُهُمْ دُونَ قَوْلِ الْعَامَّةِ إجْمَاعًا بِجَمِيعِ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّةَ بَعْضُهُمْ، لَكِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>