للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَامَّةَ مُخْطِئُونَ فِي مُخَالَفَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِحُكْمِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي دِينِ اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، وَلَيْسَ خَطَؤُهُمْ مِنْ جِهَةِ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ، إذْ هُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ. وَجَوَابٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْعَامَّةِ، وَلَا بِدُخُولِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ، لِأَجْلِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى تَخْطِئَةِ عَامَّةِ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ فِي خِلَافِهِمْ عَلَى عُلَمَائِهِمْ، فَوَجَبَ سُقُوطُ الِاعْتِبَارِ بِقَوْلِ الْعَامَّةِ. هَذَا كَلَامُهُ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى إطْلَاقِ الِاسْمِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ إذَا أَجْمَعُوا هَلْ يَصْدُقُ " أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ "، وَيُحْكَمُ بِهِ قَوْلُ الْعَوَامّ فِيهِمْ تَبَعًا؟ فَالْقَاضِي يَقُولُ: لَا يَصْدُقُ اسْمُ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي حُجِّيَّتِهِ، وَهُوَ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَيْسَ خِلَافًا فِي أَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ تَقْدَحُ فِي قِيَامِ الْإِجْمَاعِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ " بَعْدَمَا سَبَقَ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَهَلْ يُطْلِقُونَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَحْصُلُ فِيهِ اتِّفَاقُ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا. فَمَا هَذَا سَبِيلُهُ يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَحْكَامِ الْفُرُوعِ الَّتِي تَشْتَبِهُ عَلَى الْعَوَامّ، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَوَامُّ يَدْخُلُونَ فِي حُكْمِ الْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا تَفْصِيلَ الْأَحْكَامِ، فَقَدْ عَرَفُوا عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأَحْكَامِ فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ، فَهَذَا مُسَاهَمَةٌ مِنْهُمْ فِي الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَوَاقِعَهُ عَلَى التَّفْصِيلِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ مُسَاهِمِينَ فِي الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْإِجْمَاعُ فِي التَّفَاصِيلِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>