وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا خِلَافٌ مَهُولٌ أَمْرُهُ، وَيَرْجِعُ إلَى الْعِبَارَةِ الْمَحْضَةِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّا إنْ أَدْرَجْنَا الْعَوَامَّ فِي حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْمُطْلَقِ، أَطْلَقْنَا الْقَوْلَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَإِنْ لَمْ نُدْرِجْهُمْ فِي حُكْمِ الْإِجْمَاعِ، أَوْ بَدَرَ مِنْ بَعْضِ طَوَائِفِ الْعَوَامّ خِلَافٌ، فَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، فَإِنَّ الْعَوَامَّ مُعْظَمُ الْأُمَّةِ. اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَتَابَعَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ رُجُوعِ الْخِلَافِ إلَى كَوْنِهِ: هَلْ يُسَمَّى إجْمَاعًا أَمْ لَا مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً، مَرْدُودٌ، فَفِي " الْمُعْتَمَدِ " لِأَبِي الْحُسَيْنِ مَا لَفْظُهُ: اخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِ قَوْلِ الْعَامَّةِ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: الْعَامَّةُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا اتِّبَاعُ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ، حَتَّى لَا يَسُوغَ مُخَالَفَتُهُمْ إلَّا بِأَنْ يَتَّبِعَهُمْ الْعَامَّةُ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَتَّبِعُوهُمْ لَمْ يَجِبْ عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي مِنْ الْعُلَمَاءِ اتِّبَاعُهُمْ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ حُجَّةٌ اتَّبَعَهُمْ عُلَمَاءُ عَصْرِهِمْ أَمْ لَا. انْتَهَى.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَالِثٌ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ إجْمَاعُهُمْ فِي الْعَامِّ دُونَ الْخَاصِّ، حَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَيَنْبَغِي تَنْزِيلُ إطْلَاقِ الْمُطْلِقِينَ عَلَيْهِ. وَخَصَّ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْخِلَافَ بِالْخَاصِّ، وَقَالَ لَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُمْ فِي الْعَامِّ اتِّفَاقًا، وَجَرَى عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ " فَقَالَ: إنْ اخْتَصَّ بِمَعْرِفَتِهِ الْعُلَمَاءُ كَنُصُبِ الزَّكَوَاتِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا، لَمْ يُعْتَبَرْ وِفَاقُ الْعَامَّةِ مَعَهُمْ، وَإِنْ اشْتَرَكَ فِي مَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَتَحْرِيمِ بِنْتِ الْبِنْتِ، فَهَلْ يُعْتَبَرُ إجْمَاعُ الْعَوَامّ مَعَهُمْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يَصِحُّ عَنْ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ. وَالثَّانِي: نَعَمْ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْعِلْمِ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute