وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ ": يُعْتَبَرُ كَمَا يُعْتَبَرُ خِلَافُ مَنْ يَنْفِي الْمَرَاسِيلَ، وَيَمْنَعُ الْعُمُومَ وَمَنْ حَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْفِقْهِ عَلَى هَذِهِ الطُّرُقِ، وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّهُ حَكَى عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ، أَنَّهُمْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ فِي الْفُرُوعِ، وَيُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ فِي الْأُصُولِ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْمُحَقِّقُونَ لَا يُقِيمُونَ لِخِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ وَزْنًا؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الشَّرِيعَةِ صَادِرَةٌ عَنْ الِاجْتِهَادِ، وَلَا تَفِي النُّصُوصُ بِعُشْرِ مِعْشَارِهَا.
وَقَالَ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ: إنَّ قَوْلَ دَاوُد بِإِجْزَاءِ الرَّقَبَةِ الْمَعِيبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ نَقَلَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ. قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَوْ عَاصَرَ دَاوُد لَمَا عَدَّهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ: هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ إنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِالْآثَارِ وَالتَّوْقِيفِ وَاللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ، وَلَا مُخَالِفَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ بِدُونِهِمْ إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يَتَجَزَّأُ. فَإِنْ قُلْنَا: بِالتَّجَزُّؤِ، لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَقَعَ النَّظَرُ فِي فَرْعٍ هُمْ فِيهِ مُحِقُّونَ، كَمَا نَعْتَبِرُ خِلَافَ الْمُتَكَلِّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْكَلَامِيَّةِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ مَدْخَلًا، كَذَلِكَ أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي غَيْرِ الْمَسَائِلِ الْقِيَاسِيَّةِ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ مَا اخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَحَكَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ الِاعْتِدَادُ بِخِلَافِهِمْ، وَلِهَذَا يَذْكُرُ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَصْحَابِنَا خِلَافَهُمْ فِي الْكُتُبِ الْفَرْعِيَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute