ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي أُجِيبُ بِهِ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ: أَنَّ دَاوُد يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ، وَيُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ إلَّا مَا خَالَفَ الْقِيَاسَ، وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْقِيَاسِيُّونَ مِنْ أَنْوَاعِهِ أَوْ بَنَاهُ عَلَى أُصُولِهِ الَّتِي قَامَ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى بُطْلَانِهَا، فَاتِّفَاقُ مَنْ سِوَاهُ عَلَى خِلَافِهِ إجْمَاعٌ يَنْعَقِدُ، فَقَوْلُ الْمُخَالِفِ حِينَئِذٍ خَارِجٌ عَنْ الْإِجْمَاعِ، كَقَوْلِهِ فِي التَّغَوُّطِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَتِلْكَ الْمَسَائِلِ الشَّنِيعَةِ، وَفِي " لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ " الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، فَخِلَافُهُ فِي هَذَا وَشَبَهُهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ. اهـ. فَتَحَصَّلْنَا عَلَى خَمْسَةِ آرَاءً فِي الْمَسْأَلَةِ.
وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى إطْلَاقِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْحُسَيْنَ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابَةِ: لَا أَمْتَنِعُ مِنْ كِتَابَةِ الْعَبْدِ عِنْدَ جَمْعِ الْقُوَّةِ وَالْأَمَانَةِ، وَإِنَّمَا أَسْتَحِبُّ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنَّ دَاوُد أَوْجَبَ كِتَابَةَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْقُوَّةِ وَالْأَمَانَةِ، وَدَاوُد مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَقَدْ أَقَامَ الشَّافِعِيُّ لِخِلَافِهِ وَزْنًا، وَاسْتَحَبَّ كِتَابَةَ مَنْ ذَكَرَهُ لِأَجْلِ خِلَافِهِ. اهـ. وَهَذَا وَهْمٌ عَجِيبٌ مِنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّ دَاوُد إنَّمَا وُلِدَ قَبْلَ وَفَاةِ الشَّافِعِيِّ بِسَنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمِئَتَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: اعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ خِلَافَهُ، فَغَلِطَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِأَجْلِ فَهْمِهِ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّ هُوَ، بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَالْمُسْتَحِبُّ هُوَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، لَكِنَّهُ عَلَّلَهُ بِتَعْلِيلٍ غَيْرِ صَحِيحٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
نَعَمْ، أَوْجَبَهَا قَبْلُ غَيْرُ دَاوُد، فَالْمُرَادُ الْخِلَافُ الَّذِي عَلَيْهِ دَاوُد لَا خُصُوصُ دَاوُد عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ كَلَامَ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ مُسْتَقِيمٌ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ صَاحِبَ الظَّاهِرِ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute