يُشْعِرُ إيرَادُ بَعْضِهِمْ، وَاحْتَجَّ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ قَوْلِ الْأَقَلِّ بِارْتِكَابِهِ الشُّذُوذَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشُّذُوذَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الشَّاقُّ لِعَصَا الْمُسْلِمِينَ، لَا فِي أَحْكَامِ الِاجْتِهَادِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ ابْنَ جَرِيرٍ قَدْ شَذَّ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُ، وَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ بِعَيْنِ مَا ذَكَرَ.
وَالثَّالِثُ: حُجَّةٌ وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ عُدَّ الْمُخَالِفُ مَعَ كَثْرَةِ الْمُجْمِعِينَ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لِبُعْدِ أَنْ يَكُونَ الرَّاجِحُ مُتَمَسَّكَ الْمُخَالِفِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّ عَدَدَ الْأَقَلِّ إنْ بَلَغَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ لَمْ يُعْتَبَرْ بِالْإِجْمَاعِ دُونَهُ وَإِلَّا اُعْتُدَّ بِهِ. حَكَاهُ الْآمِدِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: إنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ. قِيلَ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ الْعَقْلُ لَا السَّمْعُ، وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ يُشْتَرَطُ لَهُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ، إذْ التَّوَاتُرُ يُفِيدُ الْعِلْمَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مَعَ الْأَقَلِّ الْمُخَالِفِ، فَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاطِعٍ إذَنْ.
وَالْخَامِسُ: اتِّبَاعُ الْأَكْثَرِ أَوْلَى، وَيَجُوزُ خِلَافُهُ، حَكَاهُ الْهِنْدِيُّ. وَالسَّادِسُ: يَضُرُّ الِاثْنَانِ لَا الْوَاحِدُ. وَالسَّابِعُ: يَضُرُّ الثَّلَاثَةُ لَا الْوَاحِدُ، وَلَا الِاثْنَانِ، وَخَصَّ ابْنُ كَجٍّ فِي كِتَابِهِ خِلَافَ ابْنِ جَرِيرٍ بِالْوَاحِدِ، وَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ خِلَافَ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ يَجْعَلُ الْمَسْأَلَةَ خِلَافًا، وَيَخْرُجُ مِنْهُ طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بِضَرَرِ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ. وَالثَّامِنُ: إنْ سَوَّغَتْ الْجَمَاعَةُ الِاجْتِهَادَ فِي مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ كَانَ خِلَافَهُ مُعْتَدًّا بِهِ، كَخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْعَوْلِ، وَإِنْ أَنْكَرُوهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، كَخِلَافِهِ فِي رِبَا الْفَضْلِ. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute