وَفِي الْجُمْلَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا كُلَّهَا، وَلَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ فِي الْجَمِيعِ، وَلَا أَنَّهُ إذَا أَتَى بِشَيْءٍ مِنْهَا أَجْزَأَهُ، وَلَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مُبَاحٍ أَوْ نَدْبٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا أَعْرِفُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ، وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ ": قَدْ دَارَتْ رُءُوسُ الْمُخْتَلِفِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَعْيَتْهُمْ، وَلَا فَائِدَةَ لَهَا مَعْنَوِيَّةً لِلِاتِّفَاقِ عَلَى مَا ذَكَرَ. اهـ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ: بَلْ الْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّا نُخَطِّئُهُمْ فِي إطْلَاقِ اسْمِ الْوُجُوبِ عَلَى الْجَمِيعِ؛ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْكَفَّارَةِ أَحَدُ الْأُمُورِ، وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ فُورَكٍ أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْآمِدِيَّ وَابْنِ التِّلِمْسَانِيِّ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ تَدُلُّ عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ يَقْتَضِي وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا: الْوَاجِبُ مِنْهَا وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنْ وَقَعَ غَيْرُهُ وَقَعَ نَفْلًا وَسَقَطَ بِهِ الْوَاجِبُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْوَاجِبُ [أَحَدُهَا] وَلَكِنْ عَلَى الْبَدَلِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ تُرَادَ مَعَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الْخُصُوصِيَّاتُ أَوْ لَا، أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ: احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْخِصَالِ. وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ خَصْلَةٍ وَاجِبَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَفْعَلَ غَيْرَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute