فَهُوَ قَائِلٌ بِأَحَدِ هَذِهِ الْجِهَاتِ قَطْعًا، ثُمَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ، أَعْنِي أَنْ لَا يُنْسَبَ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ إلَّا بِدَلِيلِ عَلَى أَنَّ سُكُوتَهُ كَالْقَوْلِ أَوْ حَقِيقَةٍ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَدَمٌ مَحْضٌ، وَالْأَحْكَامُ لَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْعَدَمِ، وَلِهَذَا لَوْ أَتْلَفَ إنْسَانٌ مَالَ غَيْرِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ، يَضْمَنُ الْمُتْلَفُ. أَمَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى نِسْبَةِ الْقَوْلِ إلَى السَّاكِتِ عُمِلَ بِهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبِكْرِ: «إذْنُهَا صُمَاتُهَا» وَقَوْلُنَا: إنَّ إقْرَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى إنْكَارِهِ حُجَّةٌ، وَسُكُوتُ أَحَدِ الْمُتَنَاظِرَيْنِ عَنْ الْجَوَابِ لَا يُعَدُّ انْقِطَاعًا فِي التَّحْقِيقِ إلَّا بِإِقْرَارِهِ أَوْ قَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ ظَاهِرَةٍ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ السُّكُوتِ لَا يَدُلُّ عَلَى الِانْقِطَاعِ، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ اسْتِحْضَارِ الدَّلِيلِ، وَتَرَفُّعِهِ عَنْ الْخَصْمِ؛ لِظُهُورِ بَلَادَتِهِ، أَوْ تَعْظِيمِهِ، أَوْ إجْلَالِهِ عَنْ انْقِطَاعِهِ مَعَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَحُجَّةٌ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمَالِكِيِّينَ، وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَشَيْخِنَا أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْكَرْخِيّ. وَنَصَّ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَالدَّبُوسِيُّ فِي التَّقْوِيمِ "، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا. وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَعَاكِسَيْنِ فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ، قَالَ: وَعِلَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إجْمَاعًا، وَهَذَا مُفَسَّرٌ بِقَوْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute