كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: ١٢٠] وَنَقَلَهُ الْهِنْدِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ. قُلْت: وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِ " الْوَدَائِعِ "، فَقَالَ: وَحَقِيقَةُ الْإِجْمَاعِ هُوَ الْقَوْلُ بِالْحَقِّ، فَإِذَا حَصَلَ الْقَوْلُ بِالْحَقِّ مِنْ وَاحِدٍ، فَهُوَ إجْمَاعٌ، وَكَذَا إنْ حَصَلَ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ. وَالْحُجَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ إجْمَاعٌ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي أَبِي بَكْرٍ لَمَّا مَنَعَتْ بَنُو حَنِيفَةَ الزَّكَاةَ، فَكَانَتْ بِمُطَالَبَةِ أَبِي بَكْرٍ لَهَا بِالزَّكَاةِ حَقًّا عِنْدَ الْكُلِّ، وَمَا انْفَرَدَ بِمُطَالَبَتِهَا غَيْرُهُ. هَذَا كَلَامُهُ، وَخِلَافُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حُجَّةٌ.
وَقَالَ إلْكِيَا: الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَصَوُّرِ اشْتِمَالِ الْعَصْرِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الْوَاحِدِ، وَالصَّحِيحُ تَصَوُّرُهُ، وَإِذَا قُلْنَا بِهِ، فَفِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِمُجَرَّدِ قَوْلٍ خِلَافٌ، وَبِهِ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ. قَالَ: وَاَلَّذِي حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ فِي اخْتِصَاصِ الْإِجْمَاعِ بِمَحَلٍّ مَعْنًى يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَسَوَّى بَيْنَ الْعَدَدِ وَالْفَرْدِ. وَأَمَّا الْمُحَقِّقُونَ سِوَاهُ فَإِنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ الْعَدَدَ، ثُمَّ يَقُولُونَ الْمُعْتَبَرُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ، فَإِذَنْ مُسْتَنِدُ الْإِجْمَاعِ مُسْتَنِدٌ إلَى طَرْدِ الْعَادَةِ بِتَوْبِيخِ مَنْ يُخَالِفُ الْعَصْرَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ يَسْتَدْعِي وُفُورَ عَدَدٍ مِنْ الْأَوَّلِينَ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَصْرِ إلَّا مُجْتَهِدٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ اسْتِيعَابُ مَدَارِكِ الِاجْتِهَادِ. قَالَ: وَيَنْشَأُ مِنْ هَذَا خِلَافٌ فِي مَسْأَلَتَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute