مُسْتَنِدٌ إلَى طَرْدِ الْعَادَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْ اسْتِنَادَ الْإِجْمَاعِ إلَيْهِ، لَمْ يَسْتَقِرَّ لَهُ قَدَمٌ فِيهِ، وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ مِنْ دَلَالَةِ الْعَادَةِ أَوْ السَّمْعِ، فَمَنْ أَخَذَهُ مِنْ دَلَالَةِ الْعَقْلِ، وَاسْتِحَالَةِ الْخَطَأِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ شَرَطَ التَّوَاتُرَ، وَمَنْ أَخَذَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ اخْتَلَفُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْإِجْمَاعِ الْمَشْهُودِ بِعِصْمَتِهِ عَنْ الْخَطَأِ قَدْ وَجَبَتْ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمُهَا. وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: الْمُشْتَرِطُونَ اخْتَلَفُوا، فَقِيلَ: إنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْقُصَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ مَا دَامَ التَّكْلِيفُ بِالشَّرِيعَةِ بَاقِيًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يُتَصَوَّرُ، لَكِنْ يُقْطَعُ بِأَنَّ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ دُونَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُمْ عَنْ إيمَانِهِمْ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ، فَلَا يَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُعْلَمَ إيمَانُهُمْ بِالْقَرَائِنِ، لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ، بَلْ يَكْفِي فِيهِ الظُّهُورُ. لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً لِكَوْنِهِ كَاشِفًا عَنْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ، وَهُوَ يُوجِبُ كَوْنَهُ مُتَوَاتِرًا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ قَاطِعًا، فَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ نَقَلَهُ مُتَوَاتِرًا، وَهُوَ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَاهُ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَادِرًا عَنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ، وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ بِوُجُودِهِ.
فَرْعٌ [إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا مُجْتَهِدٌ وَاحِدٌ، فَهَلْ قَوْلُهُ حُجَّةٌ كَالْإِجْمَاعِ] وَطَرَدَ الْأُسْتَاذُ قِيَاسَهُ، فَقَالَ: يَجُوزُ أَلَّا يَبْقَى فِي الدَّهْرِ إلَّا مُجْتَهِدٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ حُجَّةٌ، كَالْإِجْمَاعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْوَاحِدِ: أُمَّةٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute