وَرَدَّهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِفْهَا بِالْوُجُوبِ عِنْدَ الْوُجُودِ فَنَقُولُ: فِي كُلِّ مَا وَجَبَ قَبْلَ حُدُوثِهِ إذَا حَدَثَ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا، وَإِذَا وُجِدَتْ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ فِي الْكَفَّارَةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ: كُلُّهَا وَاجِبَةٌ حَتَّى يُثَابَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثَوَابَ الْوَاجِبِ. وَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ إذَا أُتِيَ بِالْجَمِيعِ مُنْتَقَدٌ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ ": عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أُثِيبَ ثَوَابَ أَعْلَاهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْكُلِّ أَثِمَ بِتَرْكِ أَدْنَاهَا.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مُحَقِّقًا لِذَلِكَ: يَأْثَمُ بِمِقْدَارِ عِقَابِ أَدْنَاهَا، لَا أَنَّهُ نَفْسُ عِقَابِ أَدْنَاهَا. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ " نَحْوَهُ، فَقَالَ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ فَالْوَاجِبُ أَعْلَاهَا؛ لِأَنَّهُ يُثَاب عَلَى جَمِيعِهَا، وَثَوَابُ الْوَاجِبِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ النَّدْبِ، فَانْصَرَفَ الْوَاجِبُ إلَى أَعْلَاهَا؛ لِيَكْثُرَ ثَوَابُهُ، وَإِنْ تَرَكَ الْجَمِيعَ عُوقِبَ عَلَى أَدْنَاهَا لِيَقِلَّ وَبَالُهُ وَوِزْرُهُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ سَقَطَ بِفِعْلِ الْأَدْنَى. انْتَهَى. وَظَنَّ بَعْضُهُمْ تَفَرُّدَ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ بِذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّمَا هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ. قُلْت: وَقَدْ سَبَقَ مُوَافَقَةُ ابْنِ بَرْهَانٍ لَهُ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَقَالَهُ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْمَعَالِمِ ": فَقَالَ: إذَا أَتَى بِالْخِصَالِ مَعًا فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَكِنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ التَّطَوُّعِ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ فَقَطْ، وَهُوَ أَعْلَاهَا إنْ تَفَاوَتَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَحَصَلَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِضَافَةُ غَيْرِهِ إلَيْهِ لَا تَنْقُصُهُ، وَإِنْ تَسَاوَتْ فَإِلَى أَحَدِهَا، وَإِنْ تَرَكَ الْجَمِيعَ عُوقِبَ عَلَى أَقَلِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَأَجْزَأَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute