للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ ظَهَرَ لَهُمْ مَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ، وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ، فَفِي جَوَازِ الرُّجُوعِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ فِي الْإِجْمَاعِ. فَمَنْ اعْتَبَرَهُ جَوَّزَ ذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ - وَهُوَ الرَّاجِحُ - لَمْ يُجَوِّزْهُ، وَكَانَ إجْمَاعُهُمْ الْأَوَّلُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُونَ أَيْضًا، وَإِلَّا لَتَصَادَمَ الْإِجْمَاعَانِ، وَجَوَّزَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ. قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ: وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي إجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى قَوْلٍ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطْرَأَ عَلَيْهِ إجْمَاعٌ آخَرُ، وَلَكِنْ لَمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي كُلِّ الْأَعْصَارِ أَمْنًا مِنْ وُقُوعِ هَذَا الْجَائِزِ، فَعَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي لَا مِنْ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَ الْجَمَاهِيرِ هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الْإِجْمَاعِ الثَّانِي. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ نَفْسَ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةٌ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ حُصُولِ إجْمَاعٍ آخَرَ مُخَالِفٍ بَعْدَهُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ، وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، لِإِمْكَانِ تَصَوُّرِ كَوْنِهِ حُجَّةً إلَى غَايَةِ إمْكَانِ حُصُولِ إجْمَاعٍ آخَرَ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَعِنْدَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَأْخَذَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ قَوِيٌّ. قِيلَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: أَجْمَعُوا عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ الْعَبْدِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِهَا، فَاَلَّذِي نُقِلَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>