للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ مُوجَبًا لِاسْتِصْحَابِ حُكْمِهِ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ أَصْلُ تَجْوِيزِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الْقِيَاسُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ اسْتِصْحَابَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ لَا الْإِجْمَاعُ. اهـ. وَذَكَرَ الْقَفَّالُ فِي كِتَابِهِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ، وَقَالَ فِي الْقَوَاطِعِ ": إذَا حَدَثَ الْخِلَافُ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِجْمَاعِ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُخَالِفُ لَمْ يُوَافِقْ قَبْلُ عَلَى خِلَافِهِ، فَيَصِحُّ خِلَافُهُ، وَلَا يَنْعَقِدُ مَعَ خِلَافِهِ الْإِجْمَاعُ، كَمَا خَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْعَوْلِ مَعَ إجْمَاعِ غَيْرِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَافَقَهُمْ ثُمَّ خَالَفَهُمْ، كَخِلَافِ عَلِيٍّ فِي بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِ مَعَ عُمَرَ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِهِنَّ. فَمَنْ جَعَلَ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ شَرْطًا فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ أَبْطَلَ الْإِجْمَاعَ بِخِلَافِهِ؛ لِحُدُوثِهِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ شَرْطًا أَبْطَلَ خِلَافَهُ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: الِاخْتِلَافُ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ إنْ كَانَ فِي عَصْرٍ انْبَنَى عَلَى أَنَّ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: شَرْطٌ، جَازَ الِاخْتِلَافُ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَلَا يَجُوزُ فَأَمَّا فِي الْعَصْرَيْنِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُجْمِعَ الصَّحَابَةُ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ يَخْتَلِفُ التَّابِعُونَ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَيَكُونُ خِلَافُهُ مُعَانَدَةً وَمُكَابَرَةً.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا أَجْمَعُوا عَلَى شَيْءٍ وَخَالَفَهُمْ مَنْ كَفَّرْنَاهُمْ بِالتَّأْوِيلِ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِهِمْ لِذَلِكَ، ثُمَّ إنَّهُمْ رَجَعُوا إلَى الْحَقِّ، وَأَقَامُوا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ أَيَّامَ كُفْرِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ ": يَنْبَنِي عَلَى مَسْأَلَةِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ، فَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ عَصْرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَنْقَرِضْ

<<  <  ج: ص:  >  >>