عَلَى الْقَوْلِ، حَتَّى يَرْجِعَ الْكَافِرُونَ إلَى الْحَقِّ كَمَا لِلْمُؤْمِنِينَ إنْ رَجَعُوا. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُعْتَبَرُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، قَالَ الْقَاضِي: فَالْوَاجِبُ كَوْنُهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ إيمَانِ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَوِّلِينَ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ سَائِرِ الْكُفَّارِ، وَبَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ إذَا خَالَفَ مَنْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ عَلَى إجْمَاعٍ سَبَقَ خِلَافُهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: إذَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ، ثُمَّ أَسْلَمَ كَافِرٌ، وَبَلَغَ صَبِيٌّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مُنَازَعَةٌ مَعَهُمْ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الِاتِّبَاعُ، وَهُوَ وَاضِحٌ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ، وَالْحَقُّ أَنْ تُبْنَى الْمَسْأَلَةُ عَلَى انْقِرَاضِ الْعَصْرِ فَإِنْ قُلْنَا بِاشْتِرَاطِهِ اُعْتُدَّ بِقَوْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْإِجْمَاعَ إذَا انْعَقَدَ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَجُزْ مُخَالَفَتُهُ. وَأَمَّا إذَا اسْتَدَلُّوا بِدَلِيلٍ عَلَى حُكْمٍ أَوْ تَأْوِيلِ لَفْظٍ وَلَمْ يُمْنَعُوا مِنْ غَيْرِهِ جَازَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إحْدَاثُ دَلِيلٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ إلْغَاءِ الْأَوَّلِ، وَلَا إبْطَالِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ خَرْقًا لِإِجْمَاعِهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى الشَّيْءِ أَدِلَّةٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَدِلُّوا بِدَلِيلٍ، ثُمَّ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ أَيْضًا. قَالَهُ الصَّيْرَفِيُّ، وَسُلَيْمٌ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَغَيْرُهُمْ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا الْإِجْمَاعُ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْفَتْوَى، فَأَمَّا فِي الدَّلَالَةِ فَلَا يُقَالُ لَهُ إجْمَاعٌ؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ لَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهَا. قَالَ: وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَخْرُجَ عَنْ دَلَالَتِهِمْ، وَيَكُونُ إجْمَاعًا عَلَى الدَّلِيلِ، لَا عَلَى الْحُكْمِ.
وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْأَدِلَّةِ أَحْكَامُهَا لَا أَعْيَانُهَا، وَمَنْعُهُ يَسُدُّ عَلَى الْمُجْتَهِدِ بَابَ اسْتِخْرَاجِ الْأَدِلَّةِ، وَيَسْتَلْزِمُ مَنْعَ كُلِّ قَوْلٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَوَّلُونَ. نَعَمْ، إنْ أَجْمَعُوا عَلَى إنْكَارِ الدَّلِيلِ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute