وَحَكَى صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ " مَذْهَبًا ثَالِثًا بِالْوَقْفِ، وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ إلَى التَّفْصِيلِ بَيْنَ النَّصِّ، فَيَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ، وَذَهَبَ ابْنُ بَرْهَانٍ إلَى خَامِسٍ، وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الدَّلِيلِ الظَّاهِرِ فَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُهُ وَبَيْنَ الْخَفِيِّ فَيَجُوزُ، لِجَوَازِ اشْتِبَاهِهِ عَلَى الْأَوَّلِينَ. وَمِثْلُ الظَّاهِرِ بِقَوْلِ ابْنِ أَبِي طَاهِرٍ الزِّيَادِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُطَاوِعَةِ سَبَقَ فِطْرُهَا جِمَاعَهَا، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ، قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا شَرِبَ أَوْ أَكَلَ. قَالَ: لِأَنَّ أَوَّلَ الْحَشَفَةِ دَخَلَ إلَى جَوْفِهَا قَبْلَ دُخُولِ تَمَامِ الْحَشَفَةِ، وَالْجِمَاعُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا تَغَيَّبَ الْحَشَفَةُ. قُلْنَا: وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا قَبْلَ وُصُولِ تَمَامِ الْحَشَفَةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِحْدَاثُ مِثْلِ هَذَا الدَّلِيلِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَى الْأَوَّلِينَ. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذَلِكَ الدَّلِيلِ، فَإِنْ نَصُّوا عَلَى صِحَّتِهِ فَلَا شَكَّ فِيهِ، أَوْ عَلَى فَسَادِهِ لَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُمْ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ حَيْثُ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صِحَّتِهَا إبْطَالُ حُكْمِ مَا أَجْمَعُوا، وَقَالَ سُلَيْمٌ: إلَّا أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ إلَّا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَيَمْتَنِعُ. قُلْت: وَهَذَا مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ فِيهِ تَفْصِيلٌ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ. أَمَّا إذَا اعْتَلُّوا بِعِلَّةٍ، وَقُلْنَا يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ، فَهَلْ يَجْرِي مَجْرَى الدَّلِيلِ فِي الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute