وَنَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ، وَالظَّاهِرِيَّةِ، وَنَسَبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى دَاوُد. قَالَ: ثُمَّ نَاقَضَ فَشَرَطَ الْوَلِيَّ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْبِكْرِ دُونَ الثَّيِّبِ، مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ هَلْ يَلْزَمُ فِيهِمَا، أَوْ لَا يَلْزَمُ فِيهِمَا؟ وَأَنْكَرَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى مَنْ نَسَبَهُ لِدَاوُدَ، وَإِنَّمَا قَالَ كَلَامًا مَعْنَاهُ: أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إذَا رُوِيَا، وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَوْ وَاحِدٍ إنْكَارٌ وَلَا تَصْوِيبٌ، أَنَّ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ أَنْ يَأْتِيَ بِقَوْلٍ ثَالِثٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ، فَهَذَا مَا قَالَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ، فَكَيْفَ يَسُوغُ أَنْ يُنْسَبَ هَذَا إلَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: إنَّ الْأُمَّةَ إذَا تَفَرَّقَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَكَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ قَدْ قَرَنَتْ بِقَوْلِهَا فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مَسْأَلَةً أُخْرَى، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ لِتِلْكَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِحُكْمٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ صَحَّتْ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فَالْأُخْرَى صَحِيحَةٌ، وَلِذَلِكَ حُكِمَ بِالتَّحْلِيفِ بِمَكَّةَ عِنْدَ الْمُقَامِ لِإِجْمَاعِ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ عَلَى التَّحْلِيفِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَيَصِحُّ وُجُوبُهُ عِنْدَ الزِّحَامِ بِمَكَّةَ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كُنَّا لَا نَقُولُ بِهِ، فَقَدْ قَالَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَرَدْنَا تَحْرِيرَ النَّقْلِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّ الْخِلَافَ إذَا صَحَّ فَالْإِجْمَاعُ عَلَى بَعْضِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا لَا يَصِحُّ أَبَدًا، وَصَدَقَ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا كَالْخِلَافِ فِي حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ، قِيلَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ، وَقِيلَ: ثَمَانُونَ. فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ إجْمَاعٌ أَبَدًا.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ الْحَقُّ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الثَّالِثَ إنْ لَزِمَ مِنْهُ رَفْعُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُهُ، وَإِلَّا جَازَ، وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ " يَقْتَضِيهِ، حَيْثُ قَالَ فِي أَوَاخِرِهَا: الْقِيَاسُ تَقَدُّمُ الْأَخِ عَلَى الْجَدِّ، لَكِنْ صَدَّنَا عَنْ الْقَوْلِ بِهِ أَنِّي وَجَدْت الْمُخْتَلِفِينَ مُجْتَمَعِينَ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ مَعَ الْأَخِ مِثْلُهُ أَوْ أَكْثَرُ حَظًّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute