للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَائِدَةٌ [مَعْنَى قَوْلِهِمْ: هَذَا لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ] إذَا قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: الْإِجْمَاعُ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ. وَالثَّانِي: نَفْيُ الْإِجْمَاعِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَالثَّانِي أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الصِّحَّةِ، نَفْيُ الصِّحَّةِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى رَأْيٍ. فَالْإِجْمَاعُ عَلَى الصِّحَّةِ مُنْتَفٍ، لَكِنْ هِيَ غَيْرُ مُنْتَفِيَةٍ مُطْلَقًا، بَلْ ثَابِتَةٌ عَلَى ذَلِكَ الرَّأْيِ، بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي نَفْيَهَا مُطْلَقًا، فَإِذَا قُلْنَا: الْوُضُوءُ بِدُونِ مَسْحِ الرَّأْسِ لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ، كَانَ هَذَا إجْمَاعًا عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ، وَإِذَا قُلْنَا: الْوُضُوءُ بِدُونِ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ، كَانَ هَذَا نَفْيًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى الصِّحَّةِ، لَا لِحَقِيقَةِ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَالْمُثِيرُ لِهَذِهِ الْمُبَاحَثَةِ أَنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ رَأَى شَافِعِيًّا قَدْ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ، فَمَازَحَهُ، وَقَالَ لَهُ: وُضُوءُك هَذَا لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ، فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ تَزْعُمُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَيْسَ بِمُعْتَبَرِ الْقَوْلِ. قَالَ: لَا وَقَالَ: كَلَامُك يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَبَيَّنَ لَهُ هَذِهِ النُّكْتَةَ فَزَالَ غَضَبُهُ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَنْفِيَّ هَاهُنَا هُوَ الصِّحَّةُ الْمُطْلَقَةُ، أَوْ الْمُقَيَّدَةُ بِكَوْنِهَا مُجْمَعًا عَلَيْهَا. فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ فَهُوَ إجْمَاعٌ عَلَى النَّفْيِ، وَإِنْ أُرِيدَ الثَّانِي فَهُوَ نَفْيُ الْإِجْمَاعِ.

وَحَاصِلُهُ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ مَوْضِعَ الْإِجْمَاعِ نُصِبَ، لَكِنْ هُوَ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ الْحَالِ؟ إنْ قُلْنَا: عَلَى التَّمْيِيزِ فَهُوَ إجْمَاعٌ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ، إذْ تَقْدِيرُهُ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>