للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: أَنْ تَتَسَاوَى الْأَشْيَاءُ فِي الرُّتْبَةِ مِنْ جِهَةِ التَّخْيِيرِ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُتَضَادَّةً أَوْ مُخْتَلِفَةً، فَلَا يَجُوزُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ قَبِيحٍ وَمُبَاحٍ، وَلَا بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ، وَإِلَّا لَانْقَلَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَلَا بَيْنَ حَرَامٍ وَوَاجِبٍ فَإِنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَنَقِيضِهِ يَرْفَعُ التَّحْرِيمَ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَتَرْكِهِ يَرْفَعُ الْوُجُوبَ. وَلِهَذَا إذَا تَعَارَضَ دَلِيلَانِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ تَسَاقَطَا وَامْتَنَعَ التَّخْيِيرُ. وَلِهَذَا أَيْضًا رَدُّوا عَلَى دَاوُد اسْتِدْلَالَهُ عَلَى وُجُوبِ النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] تَخْيِيرٌ بَيْنَ النِّكَاحِ وَبَيْنَ مِلْكِ الْيَمِينِ. وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ إجْمَاعًا، فَلِذَلِكَ مَا خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ عَلَى ذَلِكَ قَضِيَّةُ تَخْيِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بَيْنَ الْخَمْرِ وَاللَّبَنِ، فَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ فِي تَحْرِيمِ مَا يَحْرُمُ، وَتَحْلِيلُ مَا يَحِلُّ إلَى اجْتِهَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَدَادِ نَظَرِهِ الْمَعْصُومِ، فَلَمَّا نَظَرَ فِيهِمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَتَحْلِيلِ اللَّبَنِ، فَوَافَقَ الصَّوَابَ.

قُلْتُ: وَأَصْلُ السُّؤَالِ غَيْرُ وَارِدٍ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّخْيِيرَ وَقَعَ بَيْنَ مُبَاحٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>