وَحَرَامٍ، إذْ تِلْكَ الْخَمْرَةُ مِنْ الْجَنَّةِ، لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجْتَنِبهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا شَابَهَتْ الْخَمْرَةَ الْمُحَرَّمَةَ تَجَنَّبَهَا، وَذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْوَرَعِ وَأَدَقُّ سَلَّمْنَا. إلَّا أَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ حِينَئِذٍ مُبَاحَةٌ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا حُرِّمَتْ بِالْمَدِينَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَالْإِسْرَاءُ كَانَ بِمَكَّةَ. فَإِنْ قُلْتَ: قَوْلُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُ حِينَ اخْتَارَ اللَّبَنَ: أَصَبْتَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَ الْخَمْرِ خَطَأٌ عُصِمَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قُلْتُ: يُؤْنَسُ فِيهَا بِالتَّحْرِيمِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَهُنَا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْمُسْتَصْفَى " عِنْدَ الْكَلَامِ فِي تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ أَشَارَ إلَى احْتِمَالٍ بِالتَّخْيِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا فِي الرُّتْبَةِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا يُنَاقِضُ جَوَازَ التَّرْكِ مُطْلَقًا، أَمَّا جَوَازُهُ بِشَرْطٍ فَلَا. بِدَلِيلِ: أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى التَّرَاخِي، وَإِذَا أَخَّرَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَمْ يَعْصِ إذَا أَخَّرَ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى الِامْتِثَالِ، فَظَهَرَ أَنَّ تَرْكَهُ بِشَرْطِ الْعَزْمِ لَا يُنَاقِضُ الْوُجُوبَ، بَلْ الْمُسَافِرُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا فَرْضًا، وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ رَكْعَتَيْنِ وَاجِبَتَيْنِ، وَيَجُوزُ تَرْكُهُمَا، وَلَكِنْ بِشَرْطِ قَصْدِ التَّرَخُّصِ.
ثَانِيهِمَا: لَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ بِأَنَّهَا مُخَيَّرٌ فِيهَا، وَلَيْسَ الْجَمِيعُ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ أَنَّهُ مَا مِنْ وَاحِدَةٍ يُمْكِنُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا إلَّا وَتَقَعُ وَاجِبًا.
قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا مُرَادُنَا بِالتَّسَاوِي. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مُتَمَيِّزَةً لِلْمُكَلَّفِ فَلَا يَجُوزُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ مُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute