أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعُبُورِ، وَهُوَ يُجَاوِزُ الْمَذْكُورَ إلَى غَيْرِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ. وَالثَّانِي: مِنْ الْعِبْرَةِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ، وَمِنْهُ عَبْرُ الْخَرَاجِ أَيْ قِيَاسُ خَرَاجِ عَامٍ بِخَرَاجِ غَيْرِهِ فِي الْمُمَاثَلَةِ. وَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ دَلِيلُ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِالشَّيْءِ عَلَى نَظِيرِهِ، وَبِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي " الرِّسَالَةِ " بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] وَقَالَ: فَهَذَا تَمْثِيلُ الشَّيْءِ بِعَدْلِهِ وَقَالَ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥] وَأَوْجَبَ الْمِثْلَ وَلَمْ يَقُلْ أَيَّ مِثْلٍ فَوَكَلَ ذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِنَا، وَأَمَرَنَا بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ بِالِاسْتِدْلَالِ فَقَالَ: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤] وَاحْتَجَّ ابْنُ سُرَيْجٍ فِي الْوَدَائِعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] فَأُولُو الْأَمْرِ هُمْ الْعُلَمَاءُ، وَالِاسْتِنْبَاطُ هُوَ الْقِيَاسُ. فَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَالنَّصِّ فِي إثْبَاتِهِ. وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: ٢٦] الْآيَةَ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ فَإِذَا جَازَ مِنْ فِعْلِ مَنْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ لِيُرِيَكُمْ وَجْهَ مَا تَعْلَمُونَ فَهُوَ مِمَّنْ لَا يَخْلُو مِنْ الْجَهَالَةِ وَالنَّقْصِ أَجْوَزُ.
وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: ٧٨] {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: ٧٩] فَهَذَا صَرِيحٌ فِي إثْبَاتِ الْإِعَادَةِ قِيَاسًا. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] قَالَ: وَالِاسْتِنْبَاطُ مُخْتَصٌّ بِإِخْرَاجِ الْمَعَانِي مِنْ أَلْفَاظِ النُّصُوصِ، مَأْخُوذٌ مِنْ اسْتِنْبَاطِ الْمَاءِ: إذَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ مَعْدِنِهِ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْأَحْكَامِ أَعْلَامًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute