للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَاشَانِيُّ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: ٥١] وَاعْتَمَدَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِي إثْبَاتِهِ عَلَى قَوْلِهِ: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي " التَّقْرِيبِ " اتِّفَاقَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ تَمْثِيلَ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ، وَاعْتِبَارَهُ بِهِ، وَإِجْرَاءَ حُكْمِهِ عَلَيْهِ، وَالتَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ الِاتِّعَاظُ وَالْفِكْرُ اعْتِبَارًا؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَمْرِ وَمِثْلِهِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ بِحُكْمِ نَظِيرِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ الِاتِّعَاظُ وَالِازْدِجَارُ عَنْ الذَّنْبِ بِنُزُولِ الْعَذَابِ وَالِانْتِقَامِ بِأَهْلِ الْخِلَافِ وَالشِّقَاقِ، ثُمَّ حُكِيَ مَا سَبَقَ عَنْ ثَعْلَبٍ. وَزَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاعْتِبَارِ التَّعَجُّبُ بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَافَقَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ ": مِنْ الْعَجِيبِ اسْتِدْلَالُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْآيَةِ يُرَادُ بِهِ الِاتِّعَاظُ وَالِازْدِجَارُ، وَالْمُطْلَقُ إذَا عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي غَيْرِهَا بِالِاتِّفَاقِ قَالَ: وَهَذَا تَحْرِيفٌ لِكَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مُرَادِهِ إلَى غَيْرِ مُرَادِهِ، ثُمَّ كَيْفَ يَنْتَظِمُ الْكَلَامُ مَعَ كَوْنِهِ وَاعِظًا بِمَا أَصَابَ بَنِي النَّضِيرِ مِنْ الْجَلَاءِ أَنْ يَقْرِنَ ذَلِكَ الْأَمْرَ بِقِيَاسِ الدُّخْنِ عَلَى الْبُرِّ وَالْحِمَّصِ عَلَى الشَّعِيرِ، فَإِنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهَذَا لَكَانَ مِنْ رَكِيكِ الْكَلَامِ وَإِدْرَاجًا لَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَقِرَانًا بَيْنَ الْمُنَافَرَاتِ انْتَهَى. وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّيْخِ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، فَإِنْ مُنِعَ قُلْنَا: هَذَا يَرْجِعُ إلَى قِيَاسِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ إخْرَاجَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَتَعْذِيبَهُمْ قَدْ رُتِّبَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَالْمَعْصِيَةُ عِلَّةٌ لِوُقُوعِ الْعَذَابِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: تَقَعُوا فِي الْمَعْصِيَةِ فَيَقَعُ بِكُمْ الْعَذَابُ، قِيَاسًا عَلَى أُولَئِكَ، فَهُوَ قِيَاسُ نَهْيٍ عَلَى نَهْيٍ، بِعِلَّةِ الْعَذَابِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَفِي الِاعْتِبَارِ وَجْهَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>