للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَاءِ لِمَرَضٍ وَلَمْ يَنْتَهِ خَوْفُهُ إلَى الْقَطْعِ أَوْ الظَّنِّ بِالضَّرَرِ الْمَانِعِ مِنْ جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ التَّيَمُّمُ، لِأَجْلِ الْخَوْفِ، وَلَا يَمْتَنِعُ الْوُضُوءُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الضَّرَرِ، فَإِذَا تَوَضَّأَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ جَازَ، ثُمَّ خَدَشَ فِيهِ بِأَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ بَطَلَ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا. قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ ذَلِكَ، إذْ الْمُبِيحُ قَائِمٌ، وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِصُوَرٍ: أَحَدُهَا: إذَا وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ، فَلَوْ تَيَمَّمَ، ثُمَّ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، أَرَادَ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِشِرَاءِ الْمَاءِ وَالْوُضُوءِ بِهِ جَازَ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِعَطَشٍ، وَلَوْ تَوَضَّأَ بِهِ لَاحْتَاجَ إلَى شِرَائِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا مَعَهُ فِي الْوُضُوءِ وَيَشْتَرِي الْمَاءَ لِلشُّرْبِ، وَبَيْنَ أَنْ يَتَيَمَّمَ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالَ مَا مَعَهُ وَشِرَاءَ الْمَاءِ لِلشُّرْبِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا ارْتَفَعَ سِعْرُهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ، وَحَاجَتُهُ إلَى الشُّرْبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الَّذِي مَعَهُ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا تَوَضَّأَ بَطَلَ التَّيَمُّمُ إذْ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ بُطْلَانُهُ بَلْ التَّيَمُّمُ الْمُتَقَدِّمُ لَا يُبْطِلُهُ الْوُضُوءُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إدْخَالُ عِبَادَةٍ عَلَى أُخْرَى وَهُمَا لَا يَتَنَافَيَانِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: التَّيَمُّمُ لَا يَصِحُّ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَاءُ الَّذِي يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ. أَمَّا مَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَهُ كَهَذِهِ الصُّوَرِ الَّتِي صَوَّرْنَاهَا فَلَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>