للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرُّكْنُ الثَّانِي] : حُكْمُ الْأَصْلِ

وَقَدْ مَرَّ تَعْرِيفُ الْحُكْمِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ: وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، تَبَعًا لِلشَّيْخِ فِي " اللُّمَعِ ": الْحُكْمُ مَا تَعَلَّقَ بِالْعِلَّةِ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْإِسْقَاطِ، وَهُوَ إمَّا مُصَرَّحٌ بِهِ كَقَوْلِهِ: فَجَازَ أَنْ يَجِبَ كَذَا، أَوْ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ كَذَا، أَوْ مُبْهَمٌ. وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ.

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ: فَأَشْبَهَ كَذَا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ فَأَشْبَهَ الْخَمْرَ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقِيلَ بِالْمَنْعِ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُبْهَمٌ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْجَدَلِيِّينَ الصِّحَّةُ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فَأَشْبَهَ كَذَا فِي الْحُكْمِ الَّذِي وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ، وَذَلِكَ شَيْءٌ مَعْلُومٌ بَيْنَ السَّائِلِ وَالْمَسْئُولِ فَيَجِبُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ بَيَانِهِ اكْتِفَاءً بِالْمَعْلُومِ الْمَوْجُودِ بَيْنَهُمَا.

الثَّانِي: أَنْ تُذْكَرَ الْعِلَّةُ وَلَا يُصَرَّحُ بِالْحُكْمِ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ، بَلْ يُعَلَّقُ عَلَى الْعِلَّةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ حُكْمَيْنِ، كَقَوْلِنَا فِي إيجَابِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ: طَهَارَةٌ فَيَسْتَوِي جَامِدُهَا وَمَائِعُهَا فِي النِّيَّةِ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ يُرِيدُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَصْلِ فِي إسْقَاطِ النِّيَّةِ، وَفِي الْفُرُوعِ فِي إيجَابِهَا، وَهُمَا حُكْمَانِ مُتَضَادَّانِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُشْبِهَ حُكْمُ الشَّيْءِ مِنْ نَظِيرِهِ لَا مِنْ ضِدِّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ هُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَائِعِ وَالْجَامِدِ فِي النِّيَّةِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي النِّيَّةِ مَوْجُودٌ فِي الْأَصْلِ فَصَحَّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي التَّفْصِيلِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُكْمٍ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ. وَحَكَى شَارِحُ " اللُّمَعِ " عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَّا الْوَجْهَيْنِ هُنَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>